المحدّث "بشار عواد معروف":صدّام دعّمنا لنكون حِصنا منيعا في وجه الروافض والشهيد سعى لتطبيق شرع الله في آخر حياته
15:55 21/06/2013
يعتبر الدكتور الأستاذ "بشار عواد معروف" العبيدي الأعظمي البغدادي المولود سنة 1940 من أشهر وكبار العلماء المحققين في العصر الحديث المهتمين بعلم التاريخ وعلم الحديث دراسة وتحقيقا، شغل العديد من المناصب العلمية الهامة، نال درجة الأستاذية (بروفيسور) سنة 1981، هو عضو في مجمع اللغة العربية الأردني والسوري، تولى رئاسة (جامعة صدّام للعلوم الإسلامية) لمدة ثلاثة سنوات منذ تأسيسها سنة 1989 حيث أشرف على تأسيسها ووضع مناهجها وبرامجها، وإقامة قواعدها تحت إشراف الرئيس الراحل "صدام حسين" والتي أسسها للوقوف في وجه المد الشيعي والرافضي بالمنطقة وقد كانت مفتوحة لأبناء العراق وطلبة العالم الإسلامي وبالمجان، كما تولى في عام 2001 م الإشراف العلمي العام على مشروع التفسير الكبير، حيث يعتبر هذا المشروع الأعظم لتفسير القرآن الكريم على شبكة الإنترنت، يجيد اللغة العربية والإنجليزية وشيئا من الألمانية، له أكثر من 140 مؤلفا بين كتب مؤلفة ومحققة ومراجعة وأبحاث. التقته "الجلفة إنفو" على هامش الملتقى الدولي الثاني حول مناهج تحقيق المخطوط بين العرب و الغرب بجامعة الجلفة فأبت إلا أن تجالسه من أجل أن تلج مكنونات هذا العالم المتبحر في علمي الحديث و التاريخ، وهو الذي خالط الشيخ المحدث "ناصر الدين الألباني" بمصر سنة 1965، فكانت هاته الجلسة الماتعة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، و التي ننقل للقارئ الكريم شيئا من جوانب شخصية وعلم هذا الأستاذ الجهبذ الذي قلما نجد له نظير في العصر الحالي بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء....
الجلفة إنفو: في البداية نريد أن نعرف شيئا عن ملامح النشأة الأولى والنبوغ وتدرجك الأكاديمي ؟
الدكتور بشار عواد معروف: ليست هناك ملامح للنبوغ ولكن نحن أصلا من عائلة متعلمة، اعتنى بي والدي أين أرسلني في بداية طفولتي إلى حفظ القرآن الكريم ثم دخلت المدرسة الإبتدائية كغيري، وعلى العكس من ذلك أو كما يظن البعض ما كنت أحب المدرسة كثيرا في ذلك الوقت، حيث كنت مولعا بزراعة الأرض وفلاحتها لذلك ربما تأخرت في الدراسة لفترة ما، ثم بدأت أستعيد نشاطي الدراسي بعد سن الـ 14 فتميزت حقيقة في الدراسة وكنت من الأوائل في البكالوريا، وحصلت على بعثة إلى انجلترا، ودرست في كلية الآداب في جامعة بغداد وكنت الأول في الدفعة خلال الأربع سنوات حيث تخرجت منها سنة 1964، ونلت من أجل ذلك جائزة المجمع العلمي العراقي وجائزة السينما والمسرح، كوني خريج قسم التاريخ ودرجت مباشرة في قسم الماجستير وحصلت بعد ذلك على منحة من جامعة هامبورغ بألمانيا لدراسة اللغة الألمانية فدرستها واتصلت اتصالا قويا بأستاذي المستشرق الألماني المشهور "بيرتولد شبولر" وعملت لفترة قصيرة معلما للغة العربية بجامعة هامبورغ، ثم عدت إلى بغداد بسبب ظروف مالية، وأكملت دراسة الماجستير وكان موضوع رسالتي عن كتاب "التكملة لوفيات النقلة - دراسة وتحقيقا" وهي رسالة ضخمة تتكون من 8 مجلدات منها مجلد خاص بالدراسة و7 مجلدات عن التحقيق وكنت قبل ذلك قد مارست التحقيق، أصدرت قبل الماجستير كتاب "الوفيات" لأبي مسعود الحاجي وكتبت كتابي "أثر الحديث في علم التاريخ عند المسلمين" ، وكتبت مقالا عن "مظاهر تأثير علم الحديث في علم التاريخ عند المسلمين" وعدد من المقالات نشرتها في مجلة "الأقلام البغدادية" بكلية الآداب بالاشتراك مع أستاذي أحمد ناجي القيسي، واستمر الحال إلى أن سجلت في الدراسة في القاهرة مع أستاذي الدكتور "يحي الخشاب" بكلية الآداب قسم اللغات الشرقية، ولكن لسوء الحظ توفي والدي في تلك السنة واضطررت للعودة إلى مهنتي لزراعة الأرض في الفلاحة لأكمل تربية إخوتي الصغار، حيث كنا 10 إخوة ، فيسر الله سبحانه وتعالى بعد ذلك لألتحق بدراسة الدكتوراه بجامعة بغداد 1974 وتخرجت منها 1976 عن رسالة "الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام".
الشيخ "عبد الفتاح أبو غدة" : خير كتاب قرأته للمعاصرين هو كتاب العلامة "بشار معروف العواد"، فمن أراد معرفة الإمام الذهبي وكتبه فليراجعه، لأن هذا الكتاب نفيس.
رسالة الدكتوراه أنجزتها في ظرف 4 اشهر فقط هي محصلة لمراجعة وتحقيقات طويلة ...كتبت رسالة عن الذهبي ومنهجه في كتابة تاريخ الإسلام، وتاريخ الإسلام عندي منذ تاريخ 1964 ، و قد قلت في المقدمة "لم يكن هذا الكتاب الذي بين أيديكم هو حصيلة السنوات القليلة التي قضيتها طالبا في قسم الدكتوراه، هذه حصيلة 10 سنوات من الدراسة والتتبع والتحقيقات استفدت منه في تحقيقاتي، كنت أراجعه في كل مسألة من المسائل وقرأته في كل سنة من السنوات وجمعت نسخه، و أنا الوحيد الذي كانت عندي نسخة كاملة من تاريخ الإسلام قبل أن أكتب هذه الدراسة، فبالعكس كنت أقعد أكتب لأن الفكرة كانت عندي واضحة وهذا ليس مدحا لشخصي حتى أقول عن هذا الكتاب، الذي قال عنه الشيخ "عبد الفتاح أبو غدة" : وخير كتاب قرأته للمعاصرين هو كتاب العلامة "بشار معروف العواد"، فمن أراد معرفة الإمام الذهبي وكتبه فليراجعه، لأن هذا الكتاب نفيس..." ، هذا الكتاب وضع منهجية جديدة لكيفية دراسة علم من الأعلام التاريخية لأول مرة، بمعنى نصف الدراسة عن المؤلف ومنهجه والنصف الثاني عن منهج الكتاب من حيث التوازن الزماني والتوازن المكاني، كيفية صياغة التراجم وصياغة الحوادث وما إلى ذلك ....
المدرسة العراقية تميزت بعدة مشايخ أغلبهم درسوك منهم محمد بهجة الأثري، مصطفى جواد، هل لك أن تعطينا نبذة موجزة عن بعض مشايخك وخاصة عمك الدكتور ناجي معروف ؟
نحن سبحان الله رحمنا الله بأن وفر لنا خيرة الأساتذة ذلك الوقت وكان العراق يزخر بمجموعة عظيمة من الأساتذة والذين كان لهم أثر عظيم في الدراسات التاريخية بصفة خاصة والتحقيقية واللغوية في العراق، وفي مقدمتهم شيخنا محمد بهجت الأثري أنجب تلامذة محمود شكري الألوسي، ومنهم شيخي الذي علمني التحقيق بصفة خاصة وهو "مصطفى جواد" رحمه الله والمتوفي سنة 1969 ، وكذلك استاذي الدكتور فؤاد علي الذي درسني في الدكتوراه وصالح أحمد العلي الذي رعاني منذ السنة الأولى في الكلية، حيث كان كل أسبوع يعطيني كتابا من مكتبته الخاصة لأقرأه وألخصه ويناقشني فيه في الأسبوع الذي بعده، بالإضافة إلى أستاذنا المؤرخ الكبير عبد العزيز الدوري رحمه الله، والذي درسنا التاريخ العباسي والأستاذ محمود الأمين أستاذ التاريخ القديم، والدكتور جعفر حسين خصباك من خيرة الأساتذة والذي أشرف علي في شهادتي الماجستير والدكتوراه .
عمي "ناجي معروف" ردا على ابن خلدون أثبت في كتابه أن حملة العلم في الملة الإسلامية جلهم من العرب، وإن نسبوا إلى مدن أعجمية لكن أصولهم عربيةأما عمي العلامة الدكتور ناجي معروف رحمه الله فهو من الجيل الأول المثقف في العراق، ولد في 1910 وتوفي سنة 1977 بعد أدائه لمناسك العمرة في مدينة جدة، سافر إلى باريس سنة 1935 ، كان من زعماء الحركة الوطنية بالعراق واشترك في ثورة " رشيد عالي الكيلاني" في 1941 ضد الانجليز، واعتقل من أجل ذلك بمدينة الفاو بالعمارة إلى غاية 1943، وفصل من الوظيفة، ليعود بعد ذلك مديرا للأوقاف ببغداد، ثم عميدا لكلية الشريعة و الآداب، وهو عضو بمجمع اللغة العربية ببغداد ودمشق والأردن، له أكثر من سبعين مؤلفا، ربما من أشهرها كتابه العظيم "أصالة الحضارة العربية" وكتابه " العلماء المنسوبون إلى البلدان الأعجمية وهم من أرومة العربية في الرد على ابن خلدون" القائل بأن حملة العلم في الملة الإسلامية جلهم من الأعاجم، رد في هذا الكتاب العظيم الذي لم يكمله لكن أصدر منه 4 مجلدات، وأثبت فيه أن حملة العلم في الملة الإسلامية جلهم من العرب، وإن نسبوا إلى مدن أعجمية لكن أصولهم عربية، وكتابه العظيم عن "المدرسة المستنصرية" في مجلدين ضخمين طبع أكثر من 3 طبعات، وكذا كتاب "عروبة المدن الإسلامية" و " التفنية في الأسماء التاريخية" و"تاريخ الحضارة العربية"... له كتب كثيرة وماتعة فهو كاتب كبير، وحقق الكثير من الكتب، وتشرفت أنا بالتحقيق معه كتاب "مشيخة النعال البغدادي" التي طبعها المجمع العلمي البغدادي واشتغلت معه وكان يرعاني ويتابع أعمالي ونشاطي ويقرأ ما اكتب ....
علاقتك بالحاج حبيب اللمسي التونسي ومعرفتك به ؟
"الحاج حبيب اللمسي" كان حريصا في كثير من الأحيان أن يوجهني نحو المغرب ونحو الأندلسأنا تعرفت على الحبيب اللمسي في بداية التسعينات وكنت آنذاك أتعاقد عادة مع مؤسسة "الرسالة" التي يتولاها الأستاذ "رضوان دعبول" وحدثت بيني وبينه خلافات حول النشر ومسائل أخرى لأتحول إلى الحاج حبيب اللمسي وتعاهدنا معا على أننا ما بقينا في الحياة أن نسعى لخدمة الدين والإسلام. "الحاج الحبيب اللمسي" باعتباره يمتلك "دار الغرب الإسلامي" ببيروت كان حريصا في كثير من الأحيان أن يوجهني نحو المغرب ونحو الأندلس مع أنني لم أكن من الذين اهتموا اهتماما واسعا بهذه البلاد، ولكن نشر لي في أول العمر أول كتاب لي "الجامع الكبير للترمذي" ثم "موطأ الإمام مالك" ثم بعد ذلك "تاريخ مدينة السلام بغداد" و" تاريخ الإسـلام ووفيات المشاهير والأعلام " وغيرها من الكتب المعروفة التى نشرتها في ذلك الوقت، ووصلنا إلى حد أنه لا يرى الكتب التي اشتغل عليها، بحيث أنا أحقق الكتاب وأنضجه عندي وأكمله عند المنظرين، ثم أرحل به إلى بيروت وأذهب به إلى المطبعة وهو لا يرى حجمه ولا يعرف عنه الشيء الكثير ويوافقني، ووصل الأمر إلى حد أن المكافئة التي يقدمها لي بأن أكتب ما بدا لي من مبلغ وأبعث به إلى سكرتيره دون أن يراه...
وقد كان "الحاج الحبيب اللمسي" في أيام الحصار الجائر على العراق يرسل لي في كل شهر مبلغا من المال يقوتني أنا وعائلتي وبعض العاملين معي، بحيث كان عندي مكتب صغير به بعض الكتاب الطباعين والمصححين ..ولازال الشيخ حبيب اللمسي إلى اليوم يفعل ذلك..وقد اقترح علي فيما بعد أن نعيد تحقيق المخطوطات الأندلسية التي مع الأسف الشديد أن المصريين لم يجلبوا المخطوطات حين أعادوا طبعات المستشرقين من الطباعة في مصر كما فعل ابراهيم الأبياري وعبد الله عنان وغيرهما من الذين اشتغلوا بهذا، حيث أن كلهم كانوا يعتمدون على طبعات المستشرقين، فنحن لأول مرة جئنا بالنسخ وحتى بنسخ جديدة لم يطلع المستشرقون عليها ونشرنا " جذوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس " و " المستملح من كتاب التكملة للذهبي " وهو من الجزائر، ونشرنا أيضا لابن بشكوال وابن الأنبار و" الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة " ونشرت مع صديقي محمد صلاح جرار "جنة الرضا والتسليم لما قدر الله وقضى" لإبن عاصم في مجلدين، ونشرت أيضا كتاب "قطعة من كتاب عيون الإمامة و نواظر السياسة" وهو الكتاب الأخير الذي نشرناه، والحاج حبيب اللمسي أطال عمره وهو الآن في عمر الـ 85 سنة يخاطر مخاطرات كبيرة فنشر لي كتاب "المسند المصنف المعلل" في 41 مجلدا وهذا عملا ليس بالهين، حيث أن تجليد الكتاب الواحد فقط يكلف 40 دولارا....
تجربتك مع الشهيد "صدام وحسين"، و هل فيه مراجعات حول هذه التجربة، وفكرة تأسيس جامعة "صدام" للعلوم الإسلامية ؟
الترقية في حزب البعث العراقي كانت بحسب ما يحفظ الرجل من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وبحسب صلاته ودينه وتقواه لا ما في مراجعة، نحن اشتغلنا مع الرئيس الشهيد "صدام حسين" رحمه الله لمدة 10 سنوات من 1982 إلى غاية 1992، وبقيت على صلة به بالرغم من سفري إلى الأردن بعد ذلك وبقيت على وفائي له وبقيت صلتي به طوال سنوات، فكان يذكرني بالخير ويمدحني أمام الناس وهذا ما أعتز به حقيقة، وأنا أعرف الشهيد صدام على رغم ما يقال عنه فكل إنسان عنده بعض الأخطاء، لكن من حيث المبدأ العام فصدام حسين رجل شجاع ومخلص وطني من الطراز الأول، عربي أصيل محب للعرب بل يعتبر العرب كلهم أمة واحدة، لو جاء العربي للعراق فإنه يعامل أحسن من العراقي ويستطيع أن يأخذ الجنسية وأن يتملك بالعراق ولا يحتاج إلى تأشيرة دخول وما إلى ذلك مما هو معلوم هذه من ناحية، ثم بعد ذلك هو رجل مؤمن بالله سبحانه وتعالى ولاسيما في السنوات الخمسة عشر الأخيرة من حياته، أصبح مسلما من الطراز الأول وكان يسعى لتطبيق شرع الله حتى في الحدود، أين بدأ بقطع يد السارق وبدأ يطبق الكثير من الأمور الشرعية ، حتى في حزب البعث عنده -ونحن وإن كنا نخالفه في مسألة الحزب - لكنه بالنسبة للترقية في الحزب فكانت بحسب ما يحفظ الرجل من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وبحسب صلاته ودينه وتقواه فأصبحت هذه هي أمور أساسية في الحزب عكس ما كان من قبل "البعثي" الذي كان يصلي يتم فصله من الحزب .
ولقد رأيتم مواقفه في محكمة الجور التي أعدت له، أو حتى وهو على مشنقة الموت والتي لا يمكن لأحد أن يتصور هذا الموقف العظيم، ومن رحمة الله به و بمن عمل معه أن صُور من قبل هذا الرافضي في هاته اللحظات ليعرف الجميع عظمة هذا الرجل ونطقه بالشهادة بأعلى صوته .
أما فكرة جامعة "صدام" الإسلامية جاءت بعد أن بدأ الروافض يهتمون بنشر أفكارهم، فنحن مجموعة من العلماء ذهبنا لمقابلة الرئيس "صدام حسين" بمناسبة إنتهاء الحرب العراقية الإيرانية 1988 ، وقدمنا له مصحفا كان قد طبع في باريس بخط "ابن البواب" بالإضافة إلى سيف، فقلنا للرئيس هذا السيف تقاتل به أعداء الله وهذا كتاب الله الذي يهديك إلى الطريق المستقيم، فلما دخلنا قالوا لا تطرحوا على الرئيس فكرة تأسيس كلية للدراسات الإسلامية التي كنا قد طرحناها منذ سنة على القيادات العادية والمخابرات من أجل مكافحة "المد الرافضي" والحركات الهدامة، وعلى العكس من ذلك أوصيت جماعة المجلس التنفيذي بحكم كوني الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي الشعبي المتكونة من علماء باكستان والهند و الأردن ومصر والمغرب والجزائر وغيرها بأن يطرحوا الموضوع أمام الرئيس، لكن لما طرح الأمر على الرئيس صدام حسين تحمس كثيرا للأمر وقال لماذا كلية أنتم تحتاجون إلى جامعة، وقلنا للرئيس نحن لا نحتاج لتمويل، نحتاج فقط موافقتكم لكن الشهيد صدام قال إذا تمويلها نصف من عندي والنصف الآخر من عندكم، وسميناها بجامعة "صدام" للعلوم الإسلامية ، حيث و بأمر من الرئيس تأسست الجامعة و توليت رئاستها، و بدأت جولة بالخليج و بعض البلاد الأخرى و جمعت بعض الأموال و الإعانات وفتحتُ الجامعة في نفس السنة 1989، وضعتُ في نظامها أن لا يقبل فيها من العراقيين أكثر من النصف و الباقي يجب أن يكون من الدول الإسلامية، فكان عندنا في السنة الأولى طلبة من 70 جنسية، وكانت مجانية بالكامل دراسة وسكنا وإطعاما، أين كان برنامجها مبني على الكتاب والسنة وتدريس المذاهب الإسلامية جميعها وكذا تاريخ الحركات الهدامة، وبفضل ذلك رجع الكثير من أبناء الشيعة إلى الإسلام الصحيح..
من خلال خبرتكم الطويلة في بطون الكتب وأمهاتها هل يتراءى لكم أن أبا حنيفة ينام على كم كبير من الحديث وأن له إضاءات في علم الحديث...؟
لا لا ينام على كم من الحديث، فالفقهاء لا يهتمون كثيرا بالرواية شأنهم في ذلك شأن أبي حنيفة وحتى الإمام مالك ، الإمام مالك عنده 700 حديث، وأبو حنيفة كذلك عنده 700 حديث ، أقول لماذا وضع الإمام مالك في الموطأ البلاغات والمراسيل والآراء الفقهية لسد النقص، فهم ينظرون للدين ليس كما ينظر إليه المحدثون ولا نظرة الفقهاء الصرف بل من منظور ما ينفع إجتهادهم الفقهي بالنتيجة، ولا يشك أحد في أن أبا حنيفة من أعظم الفقهاء بل هو أعظمهم (الفقه فقه أبي حنيفة) والفقه فقه العراقيين ، لكن هذا النزاع الذي حدث بين أهل الحديث وأهل الرأي أدى إلى كثير من الأقوال التي قيلت في أبي حنيفة مما لا يصح عنه ولو رجعتم إلى تعليقاتي على ترجمة أبي حنيفة من "تاريخ مدينة السلام" لعرفتم الحق...
هل نلتم جوائز دولة عن "تاريخ بغداد" بالذات، وما أبعاد المشكلة التي دارت حول ترجمة الإمام الخطيب البغدادي وما قاله عن أبي حنيفة ؟
لم و لن أذهب لاستلام جائزة أحسن كتاب محقق في معرض طهران الدولي حتى ينتهوا من سب و شتم الصحابة والقول بنقص القرآن والغلو في أئمتهم..."تاريخ مدينة السلام" إعتنيت به منذ فترة مبكرة وأنا هنا لا أسعى وراء الجوائز ولم أقدم إلى جوائز ولا أريدها بالمطلق وحتى أكون صادقا، "تاريخ الإسلام" نال جائزة أحسن كتاب محقق في معرض طهران الدولي وطلبوا مني الحضور لأخذ الجائزة لكني لم أذهب إلى إيران ولن أذهب إليها، ولو قدموا لي جوائز بمئات الألوف، لأنه عندي موقف ومبدأ لن أتنازل عنه، نعم هو موقف سياسي وديني وفكري ومتى ما تركوا أصحاب النبي (ص) من سبهم وشتمهم وتكفيرهم وتكفير زوجاته (ص) والقول بنقص القرآن الكريم، والغلو في أئمتهم وما إلى ذلك من الأباطيل، فعندئذ نقدرهم بل نضعهم على رؤوسنا، ولكن بهذه العقائد الفاسدة لن نذهب إليهم ولا نقدر أحدا منهم يقول بذلك إطلاقا، فلا يجوز على المسلم أن يتنازل عن عقيدته في سبيل هاته الأمور الدنيوية.
أما من الناحية الأخرى مع مشكلة أبي حنيفة وترجمته، أنا أعتقد أن الخطيب البغدادي لم يكن سيئا في إيراد ترجمة أبي حنيفة وإنما أورد ما يشاع عن أبي حنيفة من أقوال في مدحه وأخرى في قدحه، عيبه ليس هنا، عيبه أنه لم يتكلم على هذه الأسانيد جرحا وتعديلا، ومع الأسف كل الذين انتقدوا الخطيب، سواء أكان الأيوبي الذي ألف كتاب "السهم المصيب في كبد الخطيب" أو فيما بعد الكوثري، أو رد المعلمي اليماني على الكوثري كلها فيها نوع من العصبية، ولذلك وعلى غير العادة أنا مسكت هاته الترجمة طولت النفس فيها بالدراسة والتدقيق، بحيث ما تركت رواية من الروايات التي جاءت فيها إلا ودرستها وبيّنت رأيي فيها هذا من جهة، الأمر الثاني أن هذه الترجمة أصبحت تساوي في تاريخ الخطيب في الطبعة الحديثة 120 صفحة بسبب التعليقات التي علقت عليها.
ثالثا أنا قدمت لهذه المسألة في المقدمة (سواء في مقدمة الخطيب أو أثناء الترجمة) وقلت أن بعض ما عُد ثلبا في أبي حنيفة هو من باب المدح له، ثُلب أبا حنيفة بأنه كان يرى الخروج عن السلطان الجائر، والخروج عن السلطان الجائر مبدأ من أعظم المبادئ عند السلف القديم وهذا من محاسنه، ولذلك أمر هو بالخروج مع زيد بن علي، وإبراهيم ومحمد النفس الزكية ومع محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ابن أبي طالب في البصرة، ولذلك في رأيي قد تم قتله وكان المنصور يريد أن يوليه القضاء فرفض وقد كان هربا من ذلك... ونحن نرى أن سعيد بن جبير وابن أبي ليلى ومسلم بن يسار وغيرهم من كبار العلماء كلهم خرجوا مع عبد الرحمن ابن الأشعث على الحجاج واشتركوا ما يقارب الـ500 من كبار العلماء واستشهد منهم الكثير في موقعة الدجيل وغيرها وكلهم من رواة الصحيحين البخاري ومسلم.
المتأخرون مع الأسف يعني الذين جاؤوا بعدهم بقرن أو بقرنين من الزمن، ما بعد عصر الإمام أحمد، كانوا يقولون أن هؤلاء أخطأوا في خروجهم على السلطان، بعد ذلك ظهرت ما يسمى بفتنة خلق القرآن وهي مسألة سياسية لا علاقة لها إطلاقا بخلق القرآن وإنما كانت هناك حركة في بغداد لقلب نظام الحكم، فاضطر (وعلى عادة الحكومات) بتقريب أعداء الطائفة التي تريد أن تستعين بالطائفة المضادة، فاستعانت بالمعتزلة لرد أهل الحديث الذين كان من قياداتهم نعيم بن حماد والبويطي وأحمد الخزاعي والإمام أحمد وغيرهم من العلماء الكبار الذين كانوا يرون ضرورة الخروج على هؤلاء الظلمة الذين ما عادوا يطبقون شرع الله...
هناك من يطعن في عُجمة أبي حنيفة من جهة العربية ؟
أبو حنيفة من العراقيين، والعراقيون لهم أصول متعددة منهم العرب ومنهم من يكون من الفرس، فالأصل أن أبا حنيفة هو عربي في لغته وتفكيره ودينه وكل شيء، كما قال البيروني:" ديننا والدولة عربيان وتوأمان لا ينفصمان، ترفرف على أحدهما العناية الإلهية وعلى الثاني اليد السماوية، وكم احتشدت طوائف من التوابع من الجيل والديلم لإلباس الدولة جلابيب العُجمة فلم يتفق لهم في المراد سوق ، ومادام الآذان يقرع آذانهم كل يوم خمساً ، وتقام الصلوات بالقرآن العربي المبين خلف الأئمة صفاً صفاً ، لا زال حبل الإسلام غير منفصم ، وحصنه غير منثلم .. والهجو بالعربية أحب إلي من المدح بالفارسية" قال هذا القول في كتابه "الصيدنة"..
فالعروبة لا تتحصل بالدم فهي ليست دما، مطلقا وإلا فهذه البلاد التي نعيش فيها اليوم كالجزائر والمغرب ومصر لم تكن بلادا عربية صرفا في كل مفاصلها، وإنما هاته البلاد استعربت، والعرب كما يقولون حتى في الأنساب عرب عاربة ومستعربة والنبي (ص) من العرب المستعربة.
.../... يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق