الأربعاء، 24 يناير 2018

اللغة العربية في الجزائر , "عقيلة حرة، ليس لها ضرّة" ......بقلم محمد البشير الإبراهيمي


اللغة العربية في الجزائر , "عقيلة حرة، ليس لها ضرّة"
اللغة العربية في القطر الجزائري ليست غريبة و لا دخيلة، بل هي في دارها، و بين حماتها و أنصارها، و هي ممتدة الجذور مع الماضي، مشتدة الأواخي مع الحاضر، طويلة الأفنان في المستقبل : ممتدة مع الماضي لأنها دخلت هذا الوطن مع الإسلام على ألسنة الفاتحين، ترحل برحيلهم و تقيم بإقامتهم. فلما أقام الإسلام بهذا الشمال الإفريقي إقامة الأبد و ضرب بجدرانه فيه أقامت معه العربية لا تريم و لا تبرح ما دام الإسلام مقيما لا يتزحزح، و من ذلك الحين بدأت تتغلغل في النفوس، و تنساغ في الألسنة و اللهوات، و تنساب بين الشفاه و الأفواه. يزيدها طيبا و عذوبة أن القرآن بها يتلى، و أن الصلوات بها تختم. 
فما مضى عليها جيل أو جيلان حتى اتسعت دائرتها، و خالطت الحواس و الشواعر، و جاوزت الإبانة عن الدين إلى الإبانة عن الدنيا، فأصبحت لغة دين و دنيا معا، و جاء دور القلم و التدوين فدوّنت بها علوم الإسلام و آدابه و فلسفته و روحانياته، و عرف البربر على طريقها ما لم يكونوا يعرفون، و سعت إليها حكمة يونان، تستجديها البيان و تستعديها على الزمان، فأجدت و أعدت، و طار إلى البربر منها قبس لم تكن لتطيره لغة الرومان، و زاحمت البربرية على ألسنة البربر فغلبت و برزت و سلطت سحرها على النفوس البربرية و فأحالتها عربية، كل ذلك باختيار لا أثر فيه للجبر، و اقتناع لا يد فيه للقهر، و ديموقراطية لا شبح فيها للاستعمار. و كذب و فجر كل من يسمي الفتح الإسلامي استعمارا. و إنما هو راحة من الهم الناصب، و رحمة من العذاب الواصب، و إنصاف للبربر من الجور الروماني البغيض.
من قال بأن البربر دخلوا الإسلام طوعا فقد لزمه القول بأنهم قبلوا العربية طوعا، لأنهما شيئان متلازمان حقيقة و واقعا، لا يمكن الفصل بينهما، و محاولة الفصل بينهما كمحاولة الفصل بين الفرقدين. و من شهد أن البربرية ما زالت قائمة الذات في بعض الجهات، فقد شهد للعربية بحسن الجوار، و شهد للإسلام بالعدل و الإحسان. إذ لو كان الإسلام دين الجبرية و تسلط لمحا البربرية في بعض قرن فإن تسامح ففي قرن.
إذا رضي البربري لنفسه الإسلام طوعا بلا إكراه، و رضي للسانه العربية عفوا بلا استكراه، فأضيع شيء ما تقول العواذل، و اللغة البربرية إذا تنازلت عن موضعها من ألسنة ذويها للعربية لأنها لسان العلم و آلة المصلحة، فإن كل ما يزعمه التاريخ بعد ذلك فضول.
إن العربي الفاتح لهذا الوطن جاء بالإسلام و معه العدل، و جاء بالعربية و معها العلم. فالعدل هو الذي أخضع البربر للعرب، ولكن خضوع الأخوة، لا خضوع القوة، و تسليم الاحترام، لا تسليم الاجترام. و العلم هو الذي طوع البربرية للعربية، و لكنه تطويع البهرج للجيدة، لا طاعة الأمة للسيدة لتلك الروحانية في الإسلام، و لذلك الجمال في اللغة العربية، أصبح الإسلام في عهد قريب صبغة الوطن التي لا تنصل و لا تحول، و أصبحت العربية عقيلة حرة، ليس لها بهذا الوطن ضرة.
ما هذه النغمة الناشزة التي تصك الأسماع حينا بعد حين، و التي لا تظهر إلا في نوبات من جنون الاستعمار ؟ ما هذه النغمة السمجة التي ارتفعت قبل سنين في راديو الجزائر بإذاعة الأغاني القبائلية، و إذاعة الأخبار باللسان القبائلي، ثم ارتفعت قبل أسابيع من قاعة المجلس الجزائري بلزوم مترجم للقبائلية في مقابلة مترجم للعربية ؟
أكل هذا إنصاف للقبائلية و إكرام لأهلها و اعتراف بحقها في الحياة و بأصالتها في الوطن ؟ كلا، إنه تدجيل سياسي على طائفة من هذه الأمة، و مكر استعماري بطائفة أخرى، و تفرقة شنيعة بينهما و سخرية عميقة بهما. إن هاتين النغمتين و ما جرى مجراهما هي حداء الاستعمار بالقوافل السائرة على غير هدى لتزداد إمعانا في الفيافي الطامسة، فحذار أن يطرب لها أحد. و إن النغمتين من آلة واحدة مشوشة الدساتين مضطربة الأوتار، و مغزاهما واحد، و هو إسكات نغمة أخرى تنطق بالحق و تقول أن هذا الوطن عربي، فيجب أن تكون لغته العربية رسمية، فجاءت تلك النغمات الشاذة ردا على هذه النغمة المطردة و نقضا لها و تشويشا عليها، و لتلقى في الأذهان بأن هذا الوطن مجموع أجناس و لغات لا ترجح إحداهن على الأخرى، فلا تستحق إحداهن أن تكون رسمية.
لا يوجد قبائلي يسكن الحواضر إلا و هو يفهم عن الفرنسية. و لا يوجد في القبائل، القرى – القرى و هم السواد الأعظم – إلا قليل ممن لا يحسن إلا القبائلية. و لكن ذلك السواد الأعظم لا يملك جهاز راديو واحدا لأنهم محرومون من نور الكهرباء كما هم محرومون من نور العلم، و كل ذلك من فضل الاستعمار عليهم. فما معنى التدجيل على القبائل بلغتهم ؟ و لا يوجد عضو قبائلي في المجلس الجزائري إلا و هو يحسن الفرنسية، فما معنى اقتراح مترجم للقبائلية ؟

أمّا نحن فقد فهمنا المعنى. و أمّا الحقيقة فهي أن الوطن عربي و أن القبائل مسلمون و عرب، كتابهم القرآن يقرءونه بالعربية، و يكتبونه بالعربية؛ و لا يرضون بدينهم و لا بلغته بديلا، و لكن الظالمين لا يعقلون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق