الخميس، 29 يوليو 2021

قراءة هادئة في نتائج شهادة البكالوريا بولاية الجلفة

 عوامل ساهمت في تدني نسبة النجاح الولائية

قراءة هادئة في نتائج شهادة البكالوريا بولاية الجلفة...بين ثانوية بن باديس وثانويات أخرى ...حقائق وأرقام تحكي واقعا آخر!!

ككل موسم تصنع النسبة الولائية للنجاح المتحصل عليها في شهادة البكالوريا بولاية الجلفة الحدث (39.97 بالمئة) والتي تبقى تتذيل ترتيب الولايات، حيث تجاوزت 5 مؤسسات تربوية فقط النسبة الوطنية (61.17)، فيما حصلت ثانوية صيلع مبروك بقرية أولاد عبيد الله ببلدية الجلفة على نسبة 16.87 بالمئة متذيلة بذلك ترتيب مؤسسات الولاية الـ74، وهو ما يجعل البحث عن الخلل الذي يعاني منه القطاع مهمة صعبة تأبى التكشف.

وحصلت ثانوية بن باديس بحاسي بحبح على المرتبة الأولى ولائيا لأول مرة منذ 2009 بنسبة نجاح 86.96 بالمئة تلتها ثانوية محمد الصديق بن يحي بالبيرين في المرتبة الثانية بنسبة 67.09، متبوعة في الصف الثالث بثانوية 08 ماي 1945 بعين وسارة بنسبة 63.64، وبحسب قراءة عدد من المتتبعين فإن نسب النجاح هاته لا تعكس الصورة الحقيقية للنجاح في شهادة البكالوريا خاصة مع ركض بعض المديرين وراء تحقيق النسبة دون مراعاة حقيقة التكفل بالتلاميذ عبر مختلف المستويات بالصورة التي تمكن المدرسة الجزائرية من إخراج جيل في مستوى التطلعات بعيدا عن سياسة المحاباة واستقطاب "النجباء" أو التصفية "الزبر" وتقليص تعداد التلاميذ التي تساهم بشكل أو بآخر في هدر العديد من الطاقات من فئة المتوسطين وجعلهم عرضة للتسرب المدرسي، في مقابل جعل بعض الثانويات التي تسجل نتائج كارثية "مصبّا" أو مقصدا للمعيدين و المطرودين !! .

ضف إلى ذلك عدم التكافؤ والتوازن بين مختلف ثانويات الولاية التي توجد بالمناطق الحضرية أو تلك التي تقع بمناطق شبه الحضرية سواء من حيث التجهيز والخرائط المدرسية واستقرار الطواقم التربوية والإدارية والاكتظاظ وغيرها من المؤشرات التي تحكم نسب النجاح الحقيقية.

تصدّر ثانوية بن باديس وتأثير ما حققته على النسبة الولائية...

لابد ان نعترف أن نسبة النجاح بولاية الجلفة لن يزيد فيها ولن ينقص حصد ثانوية واحدة حتى نسبة 100 بالمئة، وبعملية حسابية فإن نسبة ولاية الجلفة هي 39.97 بالمئة فلو قمنا بحسابها مرة أخرى دون احتساب نسبة ثانوية عبد الحميد بن باديس 86.96 بالمئة، فإن النسبة الولائية لن تتزحزح كثيرا لتصبح 39.53 بالمئة.

وهو ما يجعل مشكلة قطاع التعليم أكبر من زخم تحقيق نسبة عالية لمؤسسة أو مؤسستين وتفردهما عن باقي الثانويات، فالقطاع يحتاج إلى دراسة جادة وتحليل أعمق ومقارنة مدى النجاعة التي يعتمدها خاصة مع تلك الثانويات التي تعاني الاكتظاظ وقلة الإمكانيات وعدم استقرار الطواقم التربوية، كما هو الحال مع ثانويات بوسط عاصمة الولاية وبحاسي بحبح ومسعد والتي تعاني اكتظاظا كبيرا مثل ثانوية حاشي عبد الرحمن بمسعد (بأكثر من 1200 تلميذ) وسي الشريف بن الأحرش ( أكثر من 1100 تلميذ) وثانوية نعيم النعيمي (أكثر من 1000 تلميذ)، وثانوية بلبيض قويدر بعين الإبل (أكثر من 1000 تلميذ) و ثانوية طاهيري عبد الرحمن (960 تلميذ) وبن لحرش السعيد (931 تلميذ)، وهاته المؤسسات لوحدها يعادل تعداد تلاميذها بالقسم النهائي تعداد تلاميذ المؤسسات الثلاث الأولى بالولاية تقريبا.  

إقرأ أيضا : في تقرير للجنة التربية بالمجلس الشعبي الولائي: تضارب في الأرقام ، عجز في التأطير و تسخيرات بالجملة تعكس سوء تسيير قطاع مثقل بالمشاكل

ما هي السياسة التي اتبعتها إدارة ثانوية بن باديس لتحقيق النجاح، وهل يمكن تعميمها...؟

لا شك أن تجربة ثانوية ابن باديس هي مشروع مؤسسة رائدة لتحقيق المركز الأول، ورغم كل الحديث حول هاته التجربة التي اعتمدت على تقليص تعداد التلاميذ بالدرجة الأولى –حسب بعضهم –رغم وجودها في وسط حضري، فإن هناك عوامل أخرى ساهمت في هذا النجاح، وجب على المشرفين على قطاع التربية بالولاية أخذ هاته التجربة بالرصد والتحليل قصد تعميمها على باقي ثانويات الولاية لتحقيق الوثبة المنشودة كما قال مدير التربية، وبإحصائيات بسيطة ندرك مدى العمل الذي تقوم به إدارة هاته المؤسسة، في هذا الاتجاه.

 ففي دورة 2015 حصلت المؤسسة على المركز 43 بنسبة 40.26 (نجاح 155 من 385)، لتشهد في السنة الموالية (2016) تقدما في المركز مع تراجع في النسبة وتقليص في التعداد العام، وبنسبة 35.43 بالمئة (نجاح 124 من 350)، وفي دورة 2018 تراجع تعداد الأقسام النهائية إلى 195 نجح منهم 96 وبنسبة 50.79 بالمئة ولتحصد المرتبة العاشرة ولائيا، وفي دورة 2019 كان التراجع في التعداد واضحا مع التقدم الملحوظ في النسبة 53.46 بالمئة وتحقيق المركز الثالث حيث (نجح 85 من 159)، وبنفس الوتيرة في دورة 2020 حيث حصلت على المركز الثاني بعد مؤسسة النخبة وبنسبة نجاح 85.50 (نجاح 112 من مجموع 131)، ولم تشذ إدارة المؤسسة عن استراتيجيتها في تقليص تعداد المترشحين ليصل التعداد إلى 115 نجح منهم 100 محققة النسبة الولائية الأولى هاته المرة بـ 86.96 بالمئة.

ليبقى التساؤل الذي يطرح نفسه، هل عامل تقليص تعداد المترشحين وغلق الشعب وعملية التوجيه هو من حقق هاته النتيجة؟ أم أن هناك عوامل أخرى؟ وجب الانتباه إليها قصد تعميمها كتجربة رائدة تحقق النفع العام للقطاع والمجتمع ككل.   

مقارنة بين ثانوية ابن باديس وثانوية بن لحرش البشير ...المعلن والمخفي

على بعد ربع ساعة مشيا على الأقدام عن الثانوية الأولى من حيث نسبة النجاح بالولاية تتواجد أقدم ثانوية بمدينة حاسي بحبح، ثانوية الشهيد بن لحرش البشير التي تذيلت في مفارقة عجيبة ترتيب ثانويات ولاية الجلفة (الرتبة 68 من أصل 74 مؤسسة ) و المرتبة الأخيرة من بين 07 ثانويات بمدينة حاسي بحبح. و بمقارنة بين الثانويتين اللتين تقعان في محيط واحد وضمن كثافة سكانية كبيرة، ندرك أن هناك فروقات شاسعة بينهما، فرغم كون ابن باديس ثانوية في قلب مدينة حاسي بحبح وقدرتها الاستيعابية تؤهلها لاستقبال أكثر من 800 تلميذ بشكل عادي نجد تعدادها لا يتجاوز في أسوء الأحوال 500 تلميذ، في حين يتجاوز تعداد ثانوية بن لحرش البشير القديمة أكثر من 800 تلميذ، في وقت تجاوز تعدادها في سنوات مضت الـ1000 تلميذ.

في مقابل ذلك نسجل فتح ثانوية بن باديس لأربعة شعب فقط فيما يتم توجيه تلاميذها في السنة الثانية ثانوي لثانوية بن لحرش البشير في شعبتي الرياضيات والتسيير والاقتصاد، مما يجعل ابن باديس تستفيد من تقليص تعداد التلاميذ بها، التي تستقبلهم ثانوية بن لحرش والتي تتلقى عددا مضافا إلى تعدادها الأصلي، ساهم في تفاقم معضلة الاكتظاظ بهاته الثانوية.

وإذا كان عامل الاستقرار يفرض نفسه بثانوية بن باديس منذ عهد المدير السابق "قاضي عبد الله" الذي أحرز المركز الأول مرتين متتاليتين 2008 و 2009، فإن ثانوية بن لحرش البشير التي أحرزت المركز السابع ولائيا عام 2009، تعيش عدم الاستقرار بالمطلق سواء في الطاقم الإداري أو حتى التربوي مما يجعلها تعاني صعوبات كبيرة خاصة مع تهميشها من قبل مصالح مديرية التربية التي زادت من حجم معاناتها، والخرائط التربوية بين الثانويتين خير دليل.

وفي سياق المقارنة بين ثانوية بن باديس صاحبة المركز الأول ولائيا وبين 10 ثانويات في مستوى تعدادها أو أقل، نكتشف أن مترشحي شهادة البكالوريا بهاته الثانويات مرتفع مقارنة بثانوية ابن باديس التي تشكل الاستثناء في نقص تعداد مترشحيها وهو ما يطرح العديد من الأسئلة حول السبب في ذلك؟ حيث نجد مثلا ثانوية باقي الطيب بالشارف بها 144 مترشحا لشهادة البكالوريا من مجموع 420 تلميذا في حين ابن باديس تقدم بها 115 من مجموع 466 تلميذا، وكذا ثانوية عريوة عمر بعاصمة الولاية 194 مترشحا من مجموع 487 وعبد المؤمن علي بالادريسية 177 مترشحا من مجموع 487 وثانوية طاهيري دحمان بمسعد 155 مترشحا من مجموع 448 والأمثلة كثيرة ومتعددة.


إقرأ أيضا : "الجلفة إنفو" تعود لنكبة التعليم بالولاية... الاكتظاظ يضرب أطنابه و سوء تقدير للاحتياجات الحقيقية ...و نواب يدقون ناقوس الخطر


ثانويات "تستقطب النجباء"... و أخرى "مقصدا للمعيدين"!!

ولمحاولة فهم الأرقام و الإحصائيات التي بحوزتنا، تتبعت "الجلفة إنفو" دفعة واحدة من خلال تطور عدد تلاميذ هاته الدفعة عبر مختلف ثانويات الولاية ( السنة الاولى 2017/2018 ، السنة الثانية 2018/2019 و السنة الثالثة 2019/2020)، أين تم ملاحظة زيادة غير طبيعية من مستوى الثانية ثانوي إلى مستوى الثالثة ثانوي بكل من ثانويتي عبد الحق بن حمودة بالجلفة و بلحرش البشير بحاسي بحبح، حيث كانت الزيادة +194 تلميذ في الثالثة ثانوي بثانوية عبد الحق بن حمودة التي احتلت المرتبة 60 من بين مؤسسات الولاية في بكالوريا 2020، تليها ثانوية بلحرش البشير بزيادة قدرت بـ +179 تلميذ في الثالثة ثانوي و التي احتلت حينها المرتبة 59. و السؤال الذي يفرض نفسه هو من أين يأتي هذا العدد الكبير من التلاميذ المترشحين للبكالوريا ؟ و هل انتقالهم "قانوني" أو اعادتهم "مشروعة"؟ فإن كانت إعادتهم مشروعة لما لا يعيد التلميذ في مؤسسته؟ و اذا كان الانتقال قانوني لماذا لا ينتقل في مؤسسته الأصلية !؟ أم أن مثل هاته الثانويات أصبحت "مقصدا" للمطرودين و "مصبّا" للمعيدين من ثانويات أخرى؟؟

ونفس الأمر ينطبق على الدفعة الحالية (السنة الأولى 2018/2019 و السنة الثانية 2019/2020 و السنة الثالثة 2020/2021) أين نجد اختلالات كثيرة من حيث الأرقام مابين المستويات الأولى و الثانية  و بين الثانية و الثالثة على غرار ما يحدث في ثانوية طاهيري عبد الرحمن المرتبة 60 لهذه السنة، و عبد الحق بن حمودة المرتبة 69 لهذه السنة، وكذا جل ثانويات عاصمة الولاية المتذيلة للترتيب، ونفس الأمر يحدث بحاسي بحبح بكل من ثانوية قاسيمي الحسني نور الدين، المرتبة 64 و بلحرش البشير، المرتبة 68 !! و كأن هاته الثانويات أضحت مقصدا للمعيدين و المطرودين في ظل غياب تام للمصالح المعنية بمديرية التربية!!

مؤسسات تستحق الإشادة ...و أخرى ساهمت في تردي النتائج 

يمكن القول أن ثانوية الشيخ نعيم النعيمي تستحق الإشادة وهي التي استطاعت تحقيق نسبة مقبولة إلى حد ما 51.91 بالمئة إلى جانب تحقيق 7 تلاميذ منها المراكز الأولى ضمن كوكبة النخبة من أصحاب معدل 17 فما فوق، وهذا نظرا للتعداد الهائل بهاته المؤسسة (1058) وكذا تعداد المترشحين لشهادة البكالوريا البالغ 315 تلميذا، ويضاف إليها مؤسسات مثل ثانوية الشهيد عمر ادريس بعين وسارة التي حققت نسبة 54.77 بالمئة ب246 مترشح للبكالوريا، والأمر نفسه ينطبق على ثانوية بن خلدون التي حققت نسبة 57.28 بالمئة بـ216 مترشحا، إلى جانب ثانوية الشهيد زاغز جلول بنسبة 62.75 بالمئة بـ 213 مترشحا.

من جانب آخر يمكننا ملاحظة أن ضُعف نسبة الولاية ناتج عن تردّي نتائج ثانويات عاصمة الولاية (مدينة الجلفة) الذي يمثل تعداد مترشحيها أكثر من ثلث تعداد مترشحي الولاية (20 ثانوية بمجموع 4740 مترشح من أصل 12427)، و بنسبة نجاح ضعيفة قدرت بـ 37.45 % لثانويات بلدية الجلفة. فيما تعرف مدينة مسعد اكتظاظا كبيرا لاحتوائها لـ 06 ثانويات لاغير حيث سجلت نسبة نجاح قدرت بـ36% فقط، مقارنة بكل من بلديتي عين وسارة (08 ثانويات) التي سجلت نسبة قاربت الـ50 بالمائة من النجاح، و حاسي بحبح (07 ثانويات) بنسبة نجاح 40 بالمائة.

عوامل ساهمت و تساهم في تدني النسبة الولائية

يدرك المتتبع لقطاع التربية بالجلفة أن هناك عدة عوامل ساهمت في تدني نسب النجاح ومنذ سنوات، ولعل في مقدمة هاته العوامل سوء تقدير للإحتياجات الحقيقية للقطاع من طرف المصلحة المكلفة بذلك بمديرية التربية، نتج عنه مشكل الاكتظاظ الذي تعاني منه أكثر من نصف ثانويات الولاية، إلى جانب نسبة التأطير المتدنية مقارنة بالمعدل الوطني و نقص الهياكل المدرسية وعدم استقرار الطواقم التربوية والتلاعب بالخرائط المدرسية الذي ينتج عنه غياب العدل في التوزيع المنصف للأساتذة عبر مختلف المؤسسات بالولاية...

وخير مثال على سوء تقدير للإحتياجات و الضيم الذي يحيق بولايتنا، كانت "الجلفة إنفو" قد نشرت جدولا يبرز الفرق البيّن والشاسع بين ولاية الجلفة التي تتذيل ترتيب نتائج الامتحانات الرسمية و تيزي وزو التي تتصدر هاته الامتحانات خلال سنوات، حيث تحصي ولاية الجلفة 544 ابتدائية مقابل 658 بتيزي وزو ، و 141 متوسطة بالجلفة مقابل 179 بتيزي وزو، بالرغم من أن عدد تلاميذ الجلفة في الأطوار التربوية الثلاث يفوق عدد التلاميذ بولاية تيزي وزو بحوالي 65 ألف تلميذ (احصائيات 2018)!

من أرشيف "الجلفة إنفو" : قراءة لأرقام البكالوريا بولاية الجلفة على مدار السنوات الماضية 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق