الجمعة، 22 أبريل 2022

الإمام العيد البشير: عشرون سنة على رحيله...واستذكار لمآثر تلفها النسيان

 الإمام العيد البشير : عشرون سنة على رحيله…واستذكار لمآثر تلفها النسيان

أبرز الشخصيات الدينية بولاية الجلفة


….مولده ونشأته:
هو الإمام العيد البشير، والده محمد بن أحمد بن العيد العيفاوي من مدينة مسعد وأمه بنجاري بركاهم، كانت عائلته رحالة بمنطقة بسكرة، ولد في حدود منطقة طولقة ببسكرة سنة 1945 وهو تاريخ مولده الحقيقي حسب رواية نجله الأستاذ “أسامة العيد”، في حين تشير الوثائق الرسمية إلى ميلاده خلال 1942 بالمليليحة، توفيت أمه وهو طفل صغير يبلغ من العمر حوالي 6 سنوات. تعلم على يد والده الذي كان معلم قرآن فحفظ جزء منه، لينتقل بعدها إلى مدينة الجلفة حيث تركه عند الشيخ سي عطية الذي كان كفيله، أين تعلم على يديه العلوم الشرعية وبعض المتون والفقه والعقيدة و التفسير وعلم الحديث كما حفظ القرآن الكريم وعمره لا يتجاوز الـ17 سنة.
…..التحاقه بالمعهد الديني بالبليدة…وتخرجه إماما:
اشتهر الشيخ سي البشير بذكائه وثقافته، حيث عمل معلما للقرآن الكريم إلى جانب تدريسه لعلوم النحو، وكان يؤم المصلين متطوعا بمسجد المنير بحي الضاية بوسط مدينة الجلفة، ليشد الرحال سنة 1974 إلى مدينة البليدة أين التحق بالمعهد الديني بمفتاح حيث درس به مدة سنتين تخرج بعدها إماما مدرسا وعين سنة 1976 بمسجد بمنطقة طولقة ببسكرة، ولم يمكث طويلا حيث انتقل إلى مدينة حاسي بحبح إماما بالمسجد الجديد، ثم ينتقل بعدها إلى المسجد العتيق فمسجد زيد بن ثابت الذي مكث به حوالي سنتين وليعود مجددا إلى المسجد العتيق برتبة “إمام أستاذ” ويعين فيه معتمدا ومفتيا على مستوى دائرة حاسي بحبح.
…. دروسه الدينية وشهرته بمسجد العتيق:
اشتهر الإمام البشير، المعروف في أوساط ساكنة مدينة حاسي بحبح بـ”سي البشير”، بدروسه و جلساته القرآنية التي يقيمها يوميا بالمسجد العتيق بعد صلاة العصر في علوم الفقه والحديث والمواريث والسيرة النبوية ومختلف علوم الشريعة وكان يحضرها عدد كبير من المصلين من شيوخ وطلبة ومثقفين، وكان مقصد المئات طلبا للفتوى وإصلاح ذات البين مما جعل منه مرجعية دينية هامة. حيث أصبح ملاذا لساكنة المنطقة لاستفساره في مختلف المسائل التي تخص حياتهم كمسائل الميراث والطلاق والبيوع والزكاة وغيرها من مسائل الأحوال الشخصية واليومية.
كما كانت الحلق والدروس اليومية التي يعقدها بمسجد العتيق بحاسي بحبح، بمثابة الندوات العلمية التي يتم فيها فتح المجال لطرح مختلف الأسئلة، إلى جانب من يقصده في بيته طلبا للفتوى، أين كان مثالا للرجل المتواضع لين الجانب كريم الطباع، الذي يشهد له بتمكنه وغزارة علمه وقدرته على التواصل مع الأخرين بأسلوب سهل بسيط يفهمه الجميع. فقد كان شخصا اجتماعيا وإنسانا معتدلا ومبسطا للأمور يحب الفقراء والمساكين.
…من طرائف حلقه:
من طرائف وأقوال الشيخ “سي البشير” كان رحمه الله ومما يحكى عنه أن درسه الذي يعقده بعد صلاة العصر يحضره الكثير من شيوخ المدينة وكان أحدهم يحب المزح ويعترض على الشيخ أحيانا في بعض الأمور فحدث أن تكلموا حول الصلاة ومتى تقطع وو …فقال له: يا سي البشير لو كنت في غابة وخرج لي سبع أأواصل صلاتي أم أقطعها ؟ فتبسم الإمام “سي البشير” وقال له : إذا لم ينتقض وضوؤك فأتمها ولا عليك . وسأله ذات مرة أحدهم مستغربا كيف يقبض الله أرواح البشر في لحظة واحدة فأجابه الشيخ بذكاء وبساطة …الله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء ، ولكن أنظر كيف تفتح وتغلق مصابيح المسجد بكبسة واحدة أليس الله بأعظم من صانعها، ويقال أن هذه الفطنة أخذها عن شيخه سي عطية مسعودي رحمه الله.
….حياته الاجتماعية:
وفي ما يتعلق بحياته الاجتماعية والشخصية فقد تزوج الشيخ سي البشير 1976 زوجته الأولى من مدينة تيارت والتي طلقها وأنجب منها بنتا، ثم تزوج مرة ثانية بمدينة حاسي بحبح بابنة المؤذن و معلم القرآن الشيخ “البشير زياني” والتي أنجب منها 6 أولاد (بنتان و 4 ذكور)، يشهد لهم الجميع بالاستقامة وحسن الخلق، إلى جانب علاقاته الطيبة مع جيرانه وأصدقائه وهو الذي يرى محبة الناس له بادية على وجوهم في كافة لقاءاته بهم، مع ما يتركه من انطباع حسن في مختلف مجالسه التي لا تخلوا من روح الدعابة.
…حجه ومرض وفاته:
كان الشيخ على وشك الخروج إلى التقاعد حيث وعدته السلطات المحلية بتكريمه بجواز حج وهو ما أفرحه كثيرا الذي بادر للقيام بكافة الإجراءات الإدارية والصحية، وبدأ الحجيج في التوجه إلى البقاع المقدسة وبقي أسبوع على آخر رحلة لكن الشيخ لم يتحصل على شيء مما ولد في نفسه حسرة كبيرة وشعر معها بالمرض و نصحه الطبيب الذي فحصه بالمكوث بالمستشفى لكنه رفض لشوقه لأداء مناسك الحج، وقبل يومين من مغادرة آخر رحلة إلى مكة المكرمة تدخل رجل أعمال مشهور بمدينة حاسي بحبح مانحا الشيخ تأشيرة الحج وكافة الوثائق اللازمة ليغادر الشيخ للحج في آخر رحلة رغم مرضه حيث أدى مناسك الحج، وقبيل رجوعه إلى الجزائر أدخل مستشفى سعودي مدة يومين بسبب ضيق شديد في التنفس “داء السل”، وبعد عودته إلى الجزائر أدخل مستشفى عين وسارة مدة 15 يوما ثم حول إلى مستشفى بني مسوس الذي مكث به 10 أيام، ويحكي نجله بأنه تأثر كثيرا أثناء مرضه لكثرة المحبين حوله فبكى كثيرا وقال لو كان لي عمر ثان لعشته مع هؤلاء البسطاء.
وفاته:
توفي الشيخ سي البشير ليلة الأحد 14 أفريل 2002 بمستشفى بني مسوس بالعاصمة متأثرا بمرض السل، وقد قدرت الفترة ما بين رجوعه من الحج ووفاته بأقل من أربعين يوما. حيث شيعته جموع غفيرة من مختلف سكان الولاية الذين غصت بهم شوارع وسط المدينة التي أغلقت بالكامل باتجاه المقبرة، وهذا ظهر يوم الثلاثاء 16 أفريل 2002، ودفن بالمقبرة الجديدة التي كان أول دفين بها والتي حملت اسمه اليوم، إلى جانب تسمية مسجد حي مقبرة سي الهادي بحاسي بحبح باسمه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق