مواطن يطالب النائب العام ووكيل الجمهورية التأسس كطرف ضد مديرية التربية
17:21 01/08/2019
إن المتتبع لواقع قطاع التربية بعاصمة السهوب الجلفة يدرك لامحالة أن هناك فجوة عميقة بين القائمين عليه وبين ما يدور داخل أسوار المؤسسات التربوية على اختلاف أطوارها، فما يعيشه القطاع من ضعف في النتائج الدراسية منذ سنوات هو نتيجة لجملة من العوامل السلبية التي أسست لمصطلح "النكبة" بالولاية يشترك فيه الجميع بدء من والي الجلفة إلى مدير التربية مرورا بالمجلس الشعبي الولائي وانتهاء إلى أروقة المدارس وما يحدث بها في ظل الغياب الفعلي لمكون اسمه الأولياء..
فمن تهرب مدير التربية القابع وراء مكتبه من تحمل مسؤوليته في معالجة النقائص وتبني قرارات جريئة في حق المقصّرين والفاسدين سواء على مستوى مصالح مديرية التربية أو على مستوى المؤسسات التربوية وعدم اعتماد سياسة العقاب والمحاسبة الجادة، إلى تفشي التسيّب وانعدام الانضباط على جميع المستويات و انعكاس ذلك على العملية التعليمية، إلى كثرة غيابات المدرّسين و الأساتذة وتقليص الفصل الدراسي الأخير إلى أيام معدودات في أغلب المؤسسات، إلى اهمال بعض الأساتذة لوظيفتهم و التركيز على الساعات الإضافية...إلى تدخل أطراف أخرى كالنقابات التي انضوت تحت خيار اثبات الوجود والتي جنح الكثير منها لقضاء مصالح معينة لمنتسبيها على حساب معالجة جادة لمشاكل القطاع بأكمله ومحاولة اخراجه من النفق المظلم الذي لايزال يعيش فيه...
أما جمعيات أولياء التلاميذ ومن سار في فلكهم فحدث و لاحرج، ضف إلى ذلك عقم وسلبية المجلس الشعبي الولائي في هاته القضية وعلى رأس هذا المجلس "المهلهل" لجنة التربية والتكوين والتعليم العالي التي فضلت اللعب بعيدا بصورة بائسة وبأسلوب ميّع قضية قطاع بأكمله كان يمكن أن تكون لهاته اللجنة الكلمة الفصل في بعثه وجعله قضية محورية بالولاية لما تملكه من الأليات والأدوات التي تجعل المسؤولين بالولاية يتحركون بكل جدية لتحقيق نتائج أفضل من خلال فرض الصرامة وتفعيل آلية المحاسبة والعقاب...والعمل على تفعيل استراتيجية متكاملة المعالم في معالجة النقائص ومكامن الخلل الذي يعاني منه قطاع يمس كافة شرائح المجتمع بصورة مباشرة أو غير مباشرة....
إن هذا الوضع البائس لقطاع التربية لم يكن وليد اليوم فقط بل هو نتاج تراكمات لسنوات ماضية شاركت في صناعته إلى جانب أطراف محلية وزارة التربية الوطنية باعتمادها على سياسة ملء الفراغ في الجلفة وفقط وليس تبني منهجية جادة للرفع من مستوى التحصيل العلمي بها أو قل مستوى "النتائج" وذلك بتعيين مديرين إما وصلوا إلى مشارف مشوارهم المهني ليحالوا على التقاعد بعد عام أو عامين وإما معاقبين وإما هم في بداية مشوارهم المهني يُرسلون للجلفة من أجل تعلم "الحفافة في رؤوس اليتامى" مما يزيد في عمق الهوّة وعدم استقرار قطاع حساس مثل التربية...
الاكتظاظ يضرب أطنابه و سوء تقدير للاحتياجات الحقيقية للولاية
غياب بصمة واضحة لشخصية مدير التربية وفرضه لنفسه بقرارات شجاعة جعلت القطاع يعيش الانتكاسة تلو الأخرى، فالاكتظاظ يضرب بقوة داخل المؤسسات التربوية في الأطوار التربوية الثلاثة (بمعدل 29 تلميذ في القسم في الطور الإبتدائي، 35 تلميذ في المتوسط و40 تلميذ بالثانوي)، ومع ذلك ظهر عجز مدير التربية جليا ومن ورائه لجنة التربية في معالجة هذا "الكابوس" الذي يؤرق الأساتذة ويزيد في غبنهم ففي متوسطة "عكراطة سعد" بحاسي بحبح مثلا أكثر من ألف تلميذ يسيرهم ثلاثة مشرفين تربية فقط وبدون مراقب عام رغم معرفة مسؤول القطاع لهذا المشكل بعد دخول الأولياء في حركة احتجاجية العام الماضي ولكن الأمر بقى على حالة دون معالجة ....وشبيهاتها كثيرة في حاسي بحبح و الجلفة وعين وسارة وحد الصحاري ومسعد وهلم جرا....
نفس المشكل يطرح بقوة على مستوى أغلب الابتدائيات حتى أصبحت الكثير منها عبارة عن ثانويات مصغرة بسبب كثرة التلاميذ والاكتظاظ الزائد ونظام الدوامين الذي فرض على الجميع بالقوة.. ابتدائيات بها أكثر من 400 تلميذ وهناك من وصل إلى 600 تلميذ والحديث يطول في عملية احصائهم.. في وقت تسجل ولاية تيزي وزو ابتدائيات بـ 6 أقسام وبتعداد يتراوح بين 8 إلى 21 تلميذ كأقصى حد بالقسم الواحد في السنة الخامسة.
وكمثال على ظاهرة الاكتظاظ بالقطاع تعرف المؤسسات التربوية لبلدية حاسي بحبح عبر مختلف الأطوار اكتظاظا كبيرا بتسجيل 49 تلميذ في القسم الواحد عبر ثانوياتها الـ07 و 43 تلميذ كمعدل في القسم عبر متوسطاتها الـ11، فيما تسجل الثانوية الوحيدة بفيض البطمة معدل 58 تلميذ بالقسم، في المقابل نجد أن الولاية المحظوظة الأولى وطنيا قامت بغلق 46 مدرسة ابتدائية بداية الموسم المنقضي لعدم وجود التلاميذ. والفرق بيّن وشاسع بين ولاية تتذيل ترتيب النتائج و أخرى تتصدر النتائج للمرة الـ12 على التوالي، حيث تحصي ولاية الجلفة 544 ابتدائية مقابل 658 بتيزي وزو ، و 141 متوسطة بالجلفة مقابل 179 بتيزي وزو، بالرغم من أن عدد تلاميذ الجلفة في الأطوار التربوية الثلاث يفوق عدد التلاميذ بولاية تيزي وزو بحوالي 65 ألف تلميذ (احصائيات 2018)!
من جانب آخر، وحسب تقرير لجنة التربية شهر أفريل 2018 فقد تم تسجيل عجز كبير في التأطير التربوي بولاية الجلفة، و الذي يعود حسب ذات التقرير إلى سوء تقدير للمناصب المالية المطلوبة في مختلف الرتب والآسلاك، وهو ما عبرت عنه الوزارة خلال الندوة الجهوية المنظمة بالولاية سنة 2014 بالقول " أن مشكلات الموارد البشرية تتكرر عند كل دخول مدرسي لأسباب متعلقة بالتعبير الدقيق عن الاحتياجات المحلية وبكيفيات التعيين المتبعة"، وما حرم الولاية من مناصب إدارية مدراء و مستشاري التربية و مشرفين ومقتصدين مما يعكس عدم الخبرة في تحديد الاحتياجات الحقيقية للولاية وما ينجر على ذلك من تسيير سيئ لمؤسساتنا التربوية.
بكالوريا 2019...أو عندما تتراجع جميع المؤشرات!
يعرف امتحان شهادة البكالوريا لولاية الجلفة من سنة لأخرى تزايدا ملحوظا لعدد الاناث المترشحات مقارنة بالذكور، أين كانت نسبة المترشحات في السنتين الماضيتين حوالي 52 بالمائة من مجموع التلاميذ لترتفع النسبة إلى حوالي 55 بالمائة هذه السنة مقابل 45 بالمائة نسبة المترشحين الذكور، فيما كان العنصر النسوي اكثر توفيقا بحوالي 65 بالمائة من مجموع الناجحين في باكالوريا 2019.
و بالعودة إلى المعدلات، نجد أن نصف مترشحي الولاية كان معدلهم في باكالوريا 2019 أقل من 8.5 من 20. في حين لم يتحصل 50 بالمائة من الناجحين في هذه الشهادة على علامة أكثر من 10.7 من 20، مما لا يسمح لأغلبهم باختيار الاختصاص الذي يرغبون فيه. و من حيث التقديرات المتحصل عليها فإننا نجد 23 بالمائة فقط من الناجحين تمكنوا من الحصول على تقدير قريب من الجيد فما فوق.
وحسب الشعب، فقد تصدرت شعبة اللغات الأجنبية الترتيب العام بنسبة نجاح 45 بالمائة متفوقة على شعبتي الرياضيات و العلوم التجريبية (39 بالمائة لكل منهما)، فيما كان نصيب المرتبة الأخيرة لشعبة تسيير و اقتصاد بنسية نجاح 18.5 بالمائة.
في ذات السياق، تم تسجيل تربّع شعبة الرياضيات بثانويات عين وسارة (متقن عبد السلام، عمر ادريس، الشيخ بوعمامة) على صدارة الترتيب الولائي للعام الثاني على التوالي، مثلها مثل شعبة العلوم التجريبية بثانوية ابن خلدون بعاصمة الولاية. أما في ذيل الترتيب، فبعد أن تحصلت شعبتين فقط على نسبة صفر 0 بالمائة العام الفائت 2018، قفز العدد الى 05 شعب لم ينجح فيها أي تلميذ هذه السنة، وهذا بكل من حاسي بحبح و الجلفة و الإدريسية.
ومن حيث المواد التي سجلت أدنى معدل لها حسب الشعب، نجد مادة الرياضيات بمعدل 4.81 في شعبة آداب وفلسفة، و معدل 5.52 في شعبة لغات أجنبية، ومادة الفيزياء بمعدل 7.07 في شعبة العلوم التجريبية ومعدل 5.51 في شعبة تقني رياضي، ومادة العلوم الطبيعية بمعدل 6.22 في شعبة رياضيات، بالإضافة إلى مادة تسيير مالي بمعدل 5.09 في شعبة تسيير واقتصاد.
وعن تأثير مواد اللغات الأجنبية و الرياضيات على معدلات المترشحين هذه السنة نلاحظ أن هذه المواد ليس لها تأثير كبير في إنجاح التلاميذ، مما يفسر أن معاناة المترشحين هي في مجمل المواد الممتحن فيها و ليس في الرياضيات و اللغات الأجنبية فقط...وقد كان التأثير الكبير مسجل في ثانوية لطرش باسين ببنهار حيث ارتفعت نسبة النجاح بأكثر من 24 بالمائة عندما يتحصل تلاميذها على العلامة 10 في هاته المواد المذكورة، لنجد أن من بين 43 تلميذ في شعبة أداب و فلسفة ببنهار لم يتمكن سوى مترشح واحد من الحصول على معدل 10 في الفرنسية و نفس العدد في الإنجليزية. في حين تمكن تلميذين 02 فقط من بين 141 مترشح من الحصول على العلامة 10 في الفرنسية من مختلف الشعب في ثانوية الهاني بن الهادي بعين افقه.
و بالمقارنة بين معدلات مختلف المواد التي يمتحن فيها التلاميذ نجد أن دورة هذه السنة 2019 عرفت تسجيل أدنى المعدلات مقارنة مع 2017 و 2018، ولا سيما في اللغات العربية و الفرنسية و الإنجليزية و كذا الرياضيات. مع ملاحظة أنه لم يتمكن سوى 14 بالمائة من التلاميذ من الحصول على العلامة 10 في مادة الفرنسية في مختلف الشعب، فيما عرفت اللغة العربية انخفاضا في المعدل، حيث وصلت نسبة الرسوب في هذه المادة إلى 60 بالمائة، أي أكثر من 7300 تلميذ كانت علاماتهم أقل من 10 في اللغة الأم!.
نواب يدقون ناقوس الخطر...مواطن يطالب النائب العام ووكيل الجمهورية التدخل...و المعنيون في سبات عميق!
كان لتذيل ولاية الجلفة للسنة الثانية على التوالي لنتائج شهادة البكالوريا وقعه الكبير على المجتمع الجلفاوي من خلال التفاعل الكبير للمواطنين على شبكات التواصل الإجتماعي محاولة منهم لتقصي الحقائق واحصاء النقائص وكذا طرح الحلول للنهوض بالقطاع، حيث طالب العديد من النشطاء بطرد مدير التربية الذي عرف القطاع في عهده تراجعا رهيبا وهو الذي آخر اهتماماته الشأن التربوي، حيث لم تطأ قدمه -حسبهم-المؤسسات القابعة في ذيل الترتيب لسنوات!؟.
من جهتهم تحرك بعض نواب البرلمان لدق ناقوس الخطر، حيث طالب النائب براهيمي لخضر برحيل القائمين على قطاع التربية و إعادة تصحيح أوراق الإجابة وتشكيل خلية ازمة لمتابعة الملف. من جانبه طالب النائب شاوي طاهر من وزير التربية الوطنية عقد ندوة ولائية لإطارات قطاع التربية لدراسة اشكالية عدم ارتقاء ترتيب ولاية الجلفة في شهادة البكالوريا لرتب أحسن (الأسباب و الحلول). من جهتها دعت النائب كرمة فطيمة وزير التربية التدخل من خلال برنامج خاص وعاجل لإنقاذ قطاع التربية بالولاية.
و في سابقة هي الأولى من نوعها، و بسبب غياب المحامي المدافع عن مصالح تلاميذ الجلفة، طالب المواطن "كمال عمراوي" (صاحب مشروع 2020 للنهوض بالمنظومة التربوية) من النائب العام ووكيل الجمهورية لولاية الجلفة التأسس كطرف ضد مديرية التربية لولاية الجلفة وكل من له علاقة في الفشل الدراسي لأبناء الولاية.
تجدر الإشارة إلى أن أول من تطرق لنكبة التعليم لولاية الجلفة، منطلقاً من النتائج المتواضعة المحققة في امتحانات البكالوريا، هو الحاج "أحمد مومن" أحد أولياء التلاميذ الذي كتب رسالة مفتوحة نشرتها "الجلفة إنفو" شهر أوت 2009، تطرق فيها لأسباب الإخفاق من وجهة نظره و إلى ما تعانيه الولاية من إجحاف في مختلف المجالات و غياب كلي للموظفين السامين مقارنة بولايات صغيرة جدا و مجاورة ، ليقوم فيما بعد بإطلاق الجائزة الكبرى للإمتياز التي تمنح سنويا لصاحب أعلى معدل في شهادة البكالوريا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق