الاثنين، 20 مارس 2023

محطات من تاريخ منطقة بويرة الأحداب ( الجزء الثاني)

محطات من تاريخ منطقة بويرة الأحداب الجزء الثاني)

 *بقلم الدكتور صالح محمد

image

في الجزء الثاني من هذه الدراسة الموسومة بـ"تحفة الأحباب في تاريخ عرش الأحداب" والتي تكشف لنا عن محطات مهمة من تاريخ منطقة بويرة الأحداب بولاية الجلفة، نسلط الضوء من خلاله عن نسب قبيلة أولاد سيدي عيسى وامتدادها إلى مناطق شمال الجزائر وعلاقتها بالقبيلة العربية الثعالبة والتي تعد آخر ما تبقى من نسلها، وهو ما تؤكده لنا مصادر موثقة خاصة تلك المتعلقة بالتقرير الذي ضمنته نشرة الحكومة العامة للجزائر، والتي تُقدم لنا تفاصيل مهمة حول إقليم وتعداد وحياة هذه القبيلة وبطونها الثلاثة (الروابح والطواهر وأولاد سي عمر) وانتسابها الشريف وكأني بالشاعر يقول في حقهم:    

إِلَى نَسَبٍ كَرِيمٍ غَيْر مُزْرٍ *** وحَيّ هُمْ أَكَارِم كُلّ حَيٍّ

نسب عرش الأحداب:

يذكر القاضي حشلاف في "سلسلة الأصول في شجرة أبناء الرسول" في الفرع السادس، أن من أولاد سيدي الناصر بن عبد الرحمان "فرقة الأحداب" يقال لهم أولاد سيدي عيسى بن عبد الرحمان ابن ناصر، حيث يضيف بأنهم من شجرة "ناصر بن عبد الرحمان بن مـحمد بن علي بن عمر بن أبي القاسم بن عبد الله بن حمزة بن عيسى بن موسى بن منصور بن أحمد بن محـمد العسكري بن عيسى الرضى بن موسى المرتضى بن عبد الله بن أبي جعفر الصادق بن مـحمد الناطق بن علي زين العابدين بن عبد الله بن إدريس بن إدريس بن عبد الله الكامل...هذه السلسلة المتصلة بمولانا علي زين العابدين فهي حسينية لا حسنية وعلى كل حال فإن النسبة صحيحة متصلة بسيد البشر صلى الله عليه وسلم". 

أما عبد العزيز راس مال فيذكر في كتابه "السادة الأشراف في الجزائر" سلسلة نسب الأحداب وبأنهم "هم أولاد سيدي عيسى بن عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الرحمان بن محمد بن علي بن عمر بن أبي القاسم بن عبد الله بن حمزة بن عيسى بن موسى بن منصور بن أحمد بن مـحمد العسكري بن عيسى الرضى بن موسى المرتضى بن عبد الله بن أبي جعفر الصادق بن محـمد الناطق بن علي زين العابدين بن عبد الله بن ادريس الأصغر(دفين فاس) بن ادريس الأكبر(دفين زرهون 177هـ) بن عبد الله الكامل (دفين بغداد 144 هـ) بن الحسن المثنى بن الحسن السبط (دفين البقيع) بن علي بن أبي طالب".

فيما يذكر الشيخ قويسم الميلود في موسوعته التحقيق الكامل أن "الأحداب" هم عرش معروف بشمال ولاية الجلفة ولهم ببويرة الأحداب وغيرها من المناطق ومن أصول أجدادهم سيدي عيسى بن مـحمد الملقب بـ(عشاي ضيافو) صاحب ضريح فيه "مولى الحدبة" قرب بحبح.    

النسب إلى الثعالبة:

يمثل أولاد سيدي عيسى الأحدب آخر ما تبقى من نسل القبيلة العربية الثعالبة التي عرفت بقوتها وثرائها وقت استقرار الأتراك بالساحل الجزائري، والثعالبة هم فرع من بني معقل الذين عبروا إلى إفريقيا في القرن الـ07 هجري، وبعد أن عاشوا في التيطري تقدموا شمالا مزاحمين قبائل أخرى وصاروا سادة التيطري والمتيجة، حسب ما جاء به تقرير نشرة الحكومة العامة للجزائر، الصادر شهر أكتوبر 1923، وهو ما يؤكده تواجد العديد من أبناء عرش الأحداب في مناطق الشمال كقصر البخاري بالمدية وبالبليدة وبالقليعة وحتى ببلديات الجزائر العاصمة وضواحيها.

 فيما يذهب ابن خلدون في تاريخه المسمى "ديوان المبتدأ والخبر" للقول بأن الثعالبة من عرب المعقل قدموا إلى بلاد المغرب مع بني هلال وسليم وتنقلوا بين أنحائه بحثا عن الأراضي الصالحة لرعي مواشيهم، أين اتجه الثعالبة عبر التلول الشرقية نحو الغرب "فدخلوا من ناحية كزول، وتدرَّجوا في المواطن إلى ضواحي المدينة، ونزلوا جبل تيطري، وهو جبل أشير الذي كانت فيه المدينة الكبيرة".

وتشير بعض المصادر المحلية إلى أن الثعالبة تمكنوا خلال سيادتهم للمتيجة التوغل إلى الجزائر العاصمة، ليصبحوا بعدة فترة وجيزة ملوكا لها، فحكم الثعالبة مدينة الجزائر وتسمت بهم "جزائر الثعالبة" طيلة قرون واستمر حكمهم لها حتى حلول العثمانيين واشتهر منهم سالم التومي حاكم مدينة الجزائر، والولي الصالح سيدي عبد الرحمن الثعالبي، وقال الحسن الوزان في معرض حديثه عن الثعالبة: "كانت ثعلبة قبيلة عربية تسكن سهل الجزائر وتنتقل في الصحراء حتى تكديت، ولهم سيطرة على مدينتي الجزائر ودلس، لكن في وقتنا هذا انتزعها منهم بربروس وبويع ملكا، فدمرت ثعلبة وكانت ذات شرف وشجاعة، يبلغ عدد فرسانها ثلاثة آلاف رجل".

وتؤكد ذات المصادر إلى أن الثعالبة تصارعوا مع الأتراك أثناء سيطرتهم على العاصمة ودخلوا معهم في حرب بلا هوادة، ليلجأ ما تبقى من الثعالبة بعد هزيمتهم إلى الونشريس والبليدة والمدية وسهول الشلف ومنهم من سار إلى الجنوب كحال الأحداب تحت قيادة جدهم سيدي عيسى الذي نصب خيمته في المنطقة التي يعيش فيها أبناؤه إلى اليوم، وهو ما أوضحه التقرير المعد بناء على القانون المشيخي أو ما يعرف بقانون "سانتوس كونسيلت 1863" المطبق على إقليم قبيلة "أولاد سيدي عيسى الأحدب" التابع للبلدية المختلطة عين بوسيف مقاطعة الجزائر.

ورغم الاختلاف البيِّن في نسب الأحداب "أولاد سيدي عيسى مولى الحدبة" من خلال ما أورده القاضي حشلاف في سلسلة الأصول في شجرة أبناء الرسول وعبد العزيز راس مال في كتابه السادة الأشراف في الجزائر، وما جاء به تقرير النشرة الرسمية للحكومة العامة بالجزائر الذي يبدو أنه أقرب إلى الصحة وهو الذي قدم تقريرا مفصلا عن قبيلة أولاد سيدي عيسى مولى الحدبة، فإنه من خلال البحث تَبيَّن أن سلسلة النسب متصلة بمولانا علي زين العابدين بن عبد الله بن ادريس الأصغر(دفين فاس) بن ادريس الأكبر(دفين زرهون 177هـ) بن عبد الله الكامل (دفين بغداد 144 هـ) بن الحسن المثنى بن الحسن السبط (دفين البقيع) بن علي بن أبي طالب، على أغلب الروايات.

تقرير نشرة الحكومة العامة للجزائر حول قبيلة أولاد سيدى عيسى الأحدب:

يكشف تقرير نشرة الحكومة العامة للجزائر أن قبيلة أولاد سيدي عيسى طبق عليها قانون "سانتوس كونسيلت" أو ما يعرف بالقانون المشيخي حيث تم من خلاله إلحاق "إقليم" قبيلة أولاد سيدي عيسى مولى الحدبة للبلدية المختلطة عين بوسيف التابعة لمقاطعة الجزائر، أين تم بموجب مقررة حكومية مؤرخة في 21 مارس 1908 إخضاع إقليم قبيلة أولاد سيدي عيسى لعمليات وضـع حـدود والتقسيم بموجب الفقرتين 01 و02 من المادة 2 لقانون "سانتوس كونسيلت" المحرر في 22 أفريل 1863م.

إقليم الأحداب(الموقع -المساحة والحدود):

يقع إقليم قبيلة أولاد سيدي عيسى مولى الحدبة من الجهة الجنوبية الشرقية للبلدية المختلطة عين بوسيف ويتربع على مساحة إجمالية قدرها 37.718 هكتارا تقريبا.

وبالنسبة لحدود الإقليم فقد أكد التقرير في صفحته 2780 على أنه يحد قبيلة أولاد سيدي عيسى شمالا قبيلة أولاد رحمان الغرابة التابعون للبلدية المختلطة الشلالة ورحمان الشراقة التابعون للبلدية المختلطة عين بوسيف، ومن الشرق تحدهم قبيلة السحاري أولاد إبراهيم التابعون للبلدية المختلطة عين بوسيف، أما من الجنوب إلى الغرب فتحدهم قبائل دائرة الجلفة وهم أولاد عبد القادر وأولاد بوعبد الله وأولاد القويني، أما من ناحية الشرق إلى الغرب فيقطع الإقليم سلسلة جبلية طولها 30 كلم.

جبل الأحداب ومياه القبيلة:

تحتوي السلسلة الجبلية التي تُعرف بجبل الأحداب والتي تمتد على مسافة 30 كلم باتجاه جبال السحاري وبارتفاع يناهز 1000 متر، على مناطق متنوعة بها أشجار العرعار الفينيقي والصنوبر الحلبي، وهذه المساحة الغابية تناهز 6000 هكتار، كما توجد بهذه المناطق الجبلية بعض الأراضي الممتازة لزراعة الحبوب أما باقي الإقليم فهو عبارة عن أراضي تغطيها الحلفاء.

وفيما يتعلق بوجود المياه بالمنطقة فإن إقليم قبيلة أولاد سيدي عيسى به نقاط ماء ذات الأهمية الكبيرة وهي خزانات مبنية في منطقة قلتة السطل وآبار بويرة الأحداب والعين المسماة عين أقلال والتي تسمت بها الزاوية، مما يؤكد أن إقليم قبيلة أولاد سيدي عيسى هو إقليم غني بالثروة المائية إلى جانب خصوبة أراضيه.

فروع قبيلة أولاد سيدي عيسى وتعدادهم:

ويؤكد التقرير في صفحته 2781 أنه وبعد وفاة سيدي عيسى ودفنه بربوة يحمل اسمها "الحدبة" هذه الحدبة التي تطل على السهل الغربي لبوسدراية وتقع على بعد 10 كلم من الحدود الفاصلة بين أولاد سيدي عيسى ورحمان لغرابة، انتقل اسمها إلى العرش، فأصبحوا منذ ذلك الوقت يعرفون بأولاد "سيدي عيسى مولى الحدبة".

وتضم قبيلة سيدي عيسى مولى الحدبة ثلاثة فروع وهم بطون عرش الأحداب إلى اليوم، الذين خرجوا من أبنائه: رابح والطاهر وعمر ويعرفون باسم "رفق": الروابح والطواهر وأولاد سي عمر، ويضاف إليهم انتسابا فرقة رابعة وهي رفقة "المخاليف" والتي ورد ذكرها في قاموس "أكاردو".

أما فيما يتعلق بتعداد قبيلة أولاد سيدي عيسى فقد ذكر أكاردو في قاموسه أنهم 724 نسمة، فيما أشار المؤرخ الفرنسي "كاريت" الذي قاد لجنة علمية مكونة من مجموعة من المؤرخين والباحثين، كانت أرسلتها سلطات الاحتلال الفرنسي سنة 1842، والتي قسمت أولاد نايل إلى قسمين ( أولاد نايل الشراقة، و أولاد نايل الغرابة)، ضمت هذه اللجنة العديد من القبائل إلى قبائل أولاد نايل الغرابة ومنهم قبيلة رحمان والسحاري وقبيلة أولاد سيدي عيسى مولى الحدبة والذي ذكر التقرير بأن هذه الأخيرة عددها 1000 نسمة وهم عرب.

في حين أحصت نشرة الحكومة العامة للجزائر في عددها لشهر أكتوبر 1923 تعداد سكان قبيلة أولاد سيدي عيسى الذي بلغ 1258 فردا، ويبدو أن هذا الإحصاء يعود إلى سنة 1910 وربما قبله بقليل، حيث وبالرجوع إلى السجل الرسمي لدوار قلتة السطل لسنة 1910 يتبين أنه تم إغلاقه يوم 15 أفريل 1913 على تعداد 1445 نسمة وهو تعداد المواليد المسجلين رسميا بدوار قلتة السطل الخاص بقبيلة أولاد سيدي عيسى.

وعن الطريقة التي تتبعها قبيلة أولاد سيدي عيسى فإن التقرير يُشير إلى أن أغلب الأحداب يتبعون "الطريقة الرحمانية" وزاويتهم هي زاوية الهامل بالبلدية المختلطة ببوسعادة، باستثناء بعض الأفراد من القبيلة الذين يتبعون الطريقة الصوفية الطيبية...

ممتلكات قبيلة أولاد سيدي عيسى من الماشية:

وعن أملاك القبيلة خاصة ما تعلق منها برؤوس الماشية فإنه قد تم إحصاء 7018 رأس ماشية هي مجموع ممتلكات القبيلة موزعة على 207 حمارا و49 جملا و195 بقرة و5699 شاة و868 ماعز، فيما تدفع القبيلة ما قيمته 5728 فرنك فرنسي قديم للسلطات الفرنسية.

 د. محمد صالح / باحث في التراث المحلي والأدب الجزائري القديم



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق