الاثنين، 6 مارس 2023

محطات من تاريخ منطقة بويرة الأحداب بولاية الجلفة (الجزء الأول)

محطات من تاريخ منطقة بويرة الأحداب بولاية الجلفة (الجزء الأول) بقلم د. صالح محمد

د. محمد صالح

لاشك أن البحث في التاريخ والتنقيب عما يحمله من أمجاد حضارية واجتماعية لأي أمة كان ولايزال مادة خصبة حَرِيَّة بالتقصي عبر مختلف جوانبها التاريخية والتراثية المادية واللامادية، بغية إبرازها بالشكل الإيجابي في إطار الموضوعية والبحث العلمي الهادف، ومن هنا وفي إطار مشروع استكتاب تاريخ منطقة بويرة الأحداب الموسوم "بتحفة الأحباب في تاريخ عرش الأحداب" وذلك بالبحث في تاريخ قبيلة أولاد سيدي عيسى مولى الحدبة منذ دخولها منطقة الجلفة حوالي 1653م حسب بعض الروايات وإلى غاية اليوم، ارتأينا أن نقدم هذه المادة البحثية التي تخص "عرش الأحداب" بالمنطقة والتي تكشف عن جوانب مختلفة اجتماعية ونفسية ومادية لعرش بأكمله يشكل جزءا مهما من التركيبة البشرية بولاية الجلفة وأولاد نايل عموما.  

التعريف ببويرة الأحداب:

   تُعد بلدية بويرة الأحداب إحدى البلديات الـ36 التابعة لولاية الجلفة، والتي تأسست بموجب قانون 84-09 المؤرخ في 4 فيفري 1984، تقع في الشمال الشرقي لعاصمة الولاية الجلفة والتي تبعد عنها بحوالي 80 كلم، تتبع إداريا دائرة حد الصحاري (زنزاش سابقا)، وتتربع على مساحة قدرها 378.40 كم2، ويبلغ تعداد ساكنتها أكثر من 14 ألف نسمة، أين يحدها شمالا كل من  بلديتي بن نهار وعين وسارة وشرقا بلدية حد الصحاري أما غربا فتحدها بلدية القرنيني وجنوبا تحدها كل من بلدتي حاسي العش وحاسي بحبح، وهي تبعد عن الطريق الوطني رقم 01 باتجاه منطقة الصقيعة بحوالي 10 كلم، وتتميز هذه البلدية بطابعها الفلاحي من رعي للمواشي وزراعة مختلف الخضر خاصة شعبة البطاطا التي تعد رائدة بالمنطقة، كما يُمارس ساكنة المنطقة مُختلف الأنشطة التقليدية.

    وتضم بلدية بويرة الأحداب العديد من المناطق الآهلة بالسكان على مساحة شاسعة تَقْسِمُها سلسلة جبال الأحداب إلى نصفين، وهذه المناطق هي منطقة بيشية، واد العرعارة والحنية وحاسي الدهيم والبتر والصقيعة التي تُعد ثاني أكبر تجمع سكاني بعد مقر البلدية الأم، وكذلك منطقة قلتة السطل التاريخية وقيازة والطايشة، أما المناطق الأخرى والتي تقع خلف جبل الأحداب في حدود بلديتي حاسي العش وحاسي بحبح فهي منطقة أولاد سي عمر وواد بوعيشة وفيض صالح وواد بوتشيشة والبحارى.

-       أصل بلدية بويرة الأحداب: عـربـي

-         اسم الطوبونيم المحلي: "البَـويِـــرَة"

-         اسمها اللاتيني: Bouira Lahdab

-         الرمز البريدي: 17245  ورمز البلدية: 1709

-         الارتفاع على مستوى سطح البحر /م: 825

بلدية بويرة الأحداب قديما:

   عُرفت بويرة الأحداب قبل تأسيسها باسم "دوار قلتة السطل" ضمن نظام البلديات المختلطة حيث خضع هذا الدوار للقانون المشيخي ضمن ما يُعرف بقانون "سانتوس كونسيلت"، فأُخضعت قبيلة أولاد سيدي عيسى الأحدب بموجب مقررة حكومية مؤرخة في 21 مارس 1908 لعمليات وضـع حـدود والتقسيم، أين تم بموجبها إلحاق إقليم القبيلة بالبلدية المختلطة عين بوسيف التابعة لمقاطعة الجزائر.

  وتم على إثرها إنشاء السجل الرسمي لدوار "قلتة السطل" سنة 1910م، وبقي الدوار تابعا للبلدية المختلطة عين بوسيف إلى غاية 1955م، ليتم بعدها أي سنة 1956م إلحاقه بناحية التيطري (المدية) وهذا إلى غاية 1959م، ليتم إلحاقه بعد الاستقلال وبالضبط سنة 1963م ببلدية زنزاش التي عُرفت لاحقا بحد الصحاري حيث كان أبناء المنطقة يشاركون وينتخبون في المجلس المحلي لبلدية زنزاش ممثلين لمنطقة بويرة الأحداب، وهذا إلى غاية مطلع عام 1984،  حيث صدور قانون 84-09 المؤرخ في 4 فيفري 1984 الذي مَنح بويرة الأحداب هذا الاسم كبلدية رسمية مستقلة.

 معنى التسمية:

    البويرة اسم مصغر مأخوذ من (البئر) ولفظ البئر مؤنث كما عند الأنباري"البئر أنثى ويقال في تصغيرها بُؤَيٍرة"، ويأتي لفظ البويرة على صيغة التصغير كما قال ياقوت الحموي إن "البويرة تصغير البئر التي يُستقى منها الماء"

  وقد تصدق هذه التعريفات في أخذ اسم البويرة من البئر، أي الأرض وفيرة المياه نتيجة كثرة الآبار وهو حال منطقة بويرة الأحداب فنجد بئر قلتة السطل وكذا مجرى ماء العين التي تحاذيها بجبل الأحداب وبئر عين أقلال التي أخذت الزاوية اسمها منه، إضافة إلى آبار بويرة الأحداب ذاتها وهي المنطقة التي تحاذي الزاوية على مسافة حوالي 3 كلم، وتعرف بكثرة الآبار والمياه التي تجعل من أراضيها خصبة وصالحة للزراعة ولمختلف أنواع المنتجات.

تسمية الأحداب:

 وأصل تسمية أولاد سيدي عيسى الأحدب بـ"عرش الأحداب" مثلما ما هو متداول نتيجة لكون جدهم "سيدي عيسى" أحدب الظهر، لا يمت للحقيقة بصلة ذلك أن جدهم سيدي عيسى نصب خيمته في منطقة عبارة عن ربوة تحمل اسم "الحدبة" واستقر فيها رفقة أبنائه وقبيلته وبها ضريحه إلى اليوم ويقع بين حدود بلديتي بويرة الأحداب والقرنيني، أين انتقل اسم هذه الحدبة إلى أبناء سيدي عيسى بعد وفاته ليعرفوا باسم "الأحداب" تسمية بالحدبة "المنطقة" وليذكر هو في عقبه بـ"سيدي عيسى مولى الحدبة"، هذه الحدبة تطل على السهل الغربي لبوسدراية وتقع على بعد10 كلم من الحدود الفاصلة بين أولاد سيدي عيسى ورحمان لغرابة، مثلما تؤكده نشرة الحكومة العامة للجزائر، الصادرة شهر أكتوبر 1923.

أهم معالم بويرة الأحداب:

    تُعرف بلدية بويرة الأحداب بالعديد من المعالم المهمة ولعل أبرز هذه المعالم نجد زاوية "عين أقلال" ومنطقة "قلتة السطل" وجبل "الأحداب" وعرف قديما كذلك باسم جبل "الخيثر"، أما في الجانب الثقافي فيُعتبر "برنوس الأحداب" من أهم المعالم الثقافية للمنطقة، لتبقى هذه المعالم شاهدة على عراقة المنطقة وتاريخ ساكنتها.

1-  زاوية عين أقلال:

    تُعتبر هذه الزاوية معلما تاريخيا وحضاريا مهما نظرا للدور العلمي والمعرفي الذي لعبته منذ تاريخ تأسسها مع بدايات 1811 كزاوية متنقلة، وإلى غاية ما بعد الاستقلال، وتم التأسيس الفعلي لهذه الزاوية العريقة على يد الشيخ المختار بن خليفة الحدباوي الأزهري عام 1861. وكانت الزاوية مقصد الكثير من المشايخ والعلماء وطلبة العلم من زوايا الهامل وطولقة ونفطة بتونس، فكانت مزدهرة بوفود الطلبة والعلماء حتى أن زاوية "عين أقلال" كانت أول من طبّق نظام "الأستاذ الزائر" في النصف الثاني من القرن التاسع عشر باستضافتها علماء وشيوخ من عدة زوايا منها زاوية نفطة التونسية وكذا دور شيوخ زاوية بويرة الأحداب في التدريس بالجنوب التونسي، دون الحديث عن دورهم في نشر العلم بالجزائر إبان الاحتلال الفرنسي، وعلاقتهم بالأمير عبد القادر وجمعية العلماء المسلمين...

    وكانت الزاوية محلا للقضاء حيث كان مشايخها مقصد الجميع لحل الخصومات ومختلف النزاعات التي تتعلق بالميراث والطلاق والتعدي، حيث خصص لذلك سجلا خاصا يتم فيه تدوين كافة التفاصيل، كما تملك الزاوية العديد من الأراضي والممتلكات التي تدخل في نظام "الحبوس" والتي منها حبوس "الأقواس" وسط مدينة حد الصحاري وهي عبارة عن محلات تجارية لاتزال إلى اليوم.

2-  معتقل قلتة السطل:

   تصنف منطقة "قلتة سطل" كموقع أثري ومعلم تذكاري مهم والذي كان وإلى وقت قريب تحيط به محاجر مائية مهمة، قبل أن تتغير معالم المنطقة بسبب مرور الطريق الوطني رقم واحد بها.    

    ويوجد بمنطقة "قلتة السطل" معتقل ومركز للتعذيب يحمل اسم "روندون" أنشئ من قبل السلطات الفرنسية سنة 1853م ليكون بمثابة حامية للقوات الفرنسية وجعله مركز مراقبة محصن، بغرض قمع الثورات الشعبية التي كانت تنشط بالمنطقة، وقمع الأهالي الذين كانوا يشكلون سندا لهذه الثورات، إلى جانب تعزيز مساعي الاستعمار في غزو المنطقة بقيادة الجنرال الفرنسي "روندون" الحاكم العام لها آنذاك.

    ومع سنة 1940 تحول المعتقل إلى مركز تابع لمصالح الغابات في النظام الفرنسي حيث كان يُعرف بـ"حوش لاغراد" وهذا إلى غاية اندلاع الثورة التحريرية أين قامت سلطات الاحتلال لتحويله كمركز لاعتقال النشطاء العسكريين والسياسيين والمناضلين وكل الأهالي المؤيدين للثورة حيث كانوا  يعذبونهم بكافة الوسائل من كهرباء وماء ونار وضرب وجلد وغيرها بالإضافة إلى ممارسة الإعدام بالمقصلة التي لاتزال شاهدة على ذلك بهذا المركز.

    وقد تم تحويل هذا المعتقل مرة ثانية وهذا بدءا من شهر ماي 1956 إلى مركز لعبور المساجين وللتعذيب أين يتم تحويل المعتقلين منه إلى سجن عين وسارة المعروف باسم بول كزال "paul Cazelle"، ومع استقلال الجزائر حول هذا المعتقل إلى مكتب للدرك الوطني لفترة طويلة، ثم إلى مفرزة للحرس البلدي خلال فترة العشرية السوداء إلى غاية إخلائه سنة 2008، ومن ثم الحاقه بقطاع المجاهدين سنة 2011 بموجب قرار صادر عن مديرية أملاك الدولة لولاية الجلفة تحت رقم 798 بتاريخ 06 جوان 2011.

  3-  جبل الأحداب:

وهو عبارة عن سلسلة جبلية يمتد ليتصل بجبل الصحاري، ويعرف جزء منه بجبال "لصباع" ويصل ارتفاعه إلى حوالي 1000م، وبه غطاء نباتي متنوع منها أشجار العرعار والصنوبر، وعرف قديما حسب بعض الروايات باسم جبل "الخيثر" وهو اسم غير متداول بكثرة بين أهالي المنطقة.  

4-  برنوس الأحداب:

 وهو تظاهرة ثقافية خاصة بالشعر الملحون يشرف على تنظيمها المجلس الشعبي البلدي، لتصبح تقليدا سنويا للاحتفاء بشعراء الولاية أين تعرف هذه  التظاهرة حضورا كبيرا من مختلف بلديات ولاية الجلفة من شعراء ومحبين وذواقين للشعر الشعبي، وأقيمت هذه التظاهرة على مدار 9 طبعات بشكلها المحلي إلى غاية 2013، ليتم ترقيتها في آخر طبعة لها إلى تظاهرة وطنية سنة 2014 تحت إشراف الوالي عبد القادر جلاوي، تحت شعار "القصيدة الشعبية الجزائرية. بين الرؤية والإبداع"، وتم خلال هذا الملتقى الوطني تكريم الدكتور العربي دحو، المتخصص في الأدب الشعبي، بتسليمه "برنوس الأحداب" نظير جهوده في ميدان الأدب الشعبي إلى جانب تكريم الشاعرين "بزيز بادر" و"مبروك زواوي".

د. محمد صالح باحث في التراث المحلي والأدب الجزائري القديم

رابط الموضوعhttps://www.djelfainfo.dz/ar/homme_histoire/141785.html



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق