الأربعاء، 24 مارس 2021

الشاعر يوسف الباز بلغيث ابن مدينة البيرين في حوار مع "الجلفة إنفو"

 مؤكدا أن نص المبدع يفرض نفسه على المتلقي

الشاعر يوسف الباز بلغيث ابن مدينة البيرين في حوار مع "الجلفة إنفو" : دور النشر في المشرق أفضل في مواكبة الإبداع من نظيرتها الجزائرية التي تسعى للربح المادي

هو شاعر مبدع استطاع أن يصنع لنفسه مكانا ضمن المشهد الثقافي بالجزائر وبالوطن العربي عموما، مارس فنون الكتابة بأنواعها بحب وجمالية خالصة بعيدا عن البحث عن مراكب الشهرة، فكتب الشعر والرواية وعايش الأطفال بقصص هادفة، فرصيده الإبداعي الذي تجاوز الـ 18 إصدارا ما بين شعر وقصة ورواية حفي بأن يؤسس له ضمن المشهد الثقافي كاسم جدير بالتكريم، وهو المدافع عن قدسية العربية بعيدا عن إبداع وثقافة الكرنفالية التي تحاول التغطية على المشهد الحقيقي، التقته جريدة "الجلفة إنفو" فكان هذا الحوار الماتع.

في البداية من هو الشاعر يوسف الباز بلغيث؟

 يوسف الباز بلغيث شاعر وروائي وكاتب قصص للأطفال من مدينة الجوابر "البيرين" ولاية أولاد سيدي نائل " الجلفة" متخرج من الجامعة المركزية بالعاصمة (سنة 1997) وحاصل على شهادة ماستر أدب حديث ومعاصر، يعمل حاليا أستاذ مكوّن بسلك التعليم.

ما هي أهم منجزاتك ومشاركاتك ضمن المشهد الثقافي؟

المشاركات كثيرة ومتنوعة حصلت من خلالها على العديد من الجوائز والتتويجات، فقد بدأت منذ عهدي بالجامعة وبالضبط 1994 بجامعة الجزائر أين حصلت على الجائزة الوطنية الـ 3 في الشعر بجامعة الجزائر 1994، وعلى الجائزة الوطنية الـ 4 في شعر المديح – مسابقة وزارة الشؤون الدينية 1996، متحصّل على الجائزة الوطنية الـأولى في الشعر الملتقى الوطني الأول للأدب والسياحة /2000 ، والجائزة الـأولى لأحسن كلمات غنائية مهرجان الأغنية العربية بالقاهرة 2000، إلى جانب حصولي على المراتب الأولى والثانية والثالثة على مدار ثلاث سنوات في مسابقة الإبداع الأدبي بعناقيد الأدب السّعودية بأحسن خاطرة وأحسن مقالة سنوات 2008 و2009و2010 كما كان لي شرف نيل جائزة الإبداع في الشعر لدار ناجي نعمان بيروت -لبنان 2010 ، وتجدد النجاح بحصولي على المركز الأول في مسابقة مجلة "همسة " في الشّعر الحر القاهرة- مصر 2014.

ومع كل هاته الجوائز والتقديرات فقد كان لي الشرف بإدراجي ضمن موسوعة أعلام وشعراء الجزائر الجزء 1 منشورات دار الحضارة بالجزائر 2004. وضمن معجم "السّير النّديـّة لعلماء ومبدعي الجامعة الجزائرية" 2014 وبكتاب مؤسسة البابطين بقصيدة" للشام تهون الحياة" عن الشّهيد عبد الله عيلان السّوري 2016، وضمن الموسوعة الكبرى للشّعراء العرب (الجزء 1) الشارقة الإمارات العربية المتحدة 2009/2010، كما أدرج اسمي بديوان شعري جماعي لأحسن 100 شاعر وشاعرة على مستوى الوطن العربي بتركيا 2018.

هذا مع مشاركاتي في حصص تلفزيونية وإذاعية بالجزائر وخارجها وأهمها مشاركتي في حصة "شعراء الثورة" بقصيدة " سعَفُ الحنين" على قناة الرّافدين الفضائية العراقية 2014، ومرتب في المركز الـ 36 شاعرا الأوائل في الوطن العربي بمسابقة "شاعرُ العرب" قناة المستقلة لندن 2007، مع اشرافي سابقا على بعض الصفحات الأدبية منها "مرايــا" بجريدة " الشّعب" الجزائرية، وركن "الرّسائل الأدبية" بالمجلة الإلكترونية السّورية "أسواقُ المربد"، كما تُرجمت لي بعض من النصوص إلى الفرنسية والإنجليزية والإسبانية.

وإلى جانب عضويتي باتّحاد الكتاب الجزائريين، ففي رصيدي 18 إصدارا إبداعيا بين شعر وقصة ورواية ورسائل أدبية ومقالات.

  • إقرأ أيضا : الشاعر يوسف الباز بلغيث يفوز بجائزة مسابقة مهرجان مجلة همسة للآداب والفنون بالقاهرة

قصيدة " لاجِئة" و" وَلِي هَمٌّ وجُرْحانِ" و"وَطَنِي عَصِي" وغيرها من الأعمال الشعرية ولدت من رحم وجدانك. هل أنت راض عن منتجك الأدبي والثقافي؟ وكيف تقيّمه؟

 يكذب من يقول إنه راضٍ عن أي عمل ينتجه؛ ومقياس الجودة المرتقبة والمنشودة في كل جديد هو بوصلة الوصول إلى البحث عن الإجادة والتّأثير في المتلقي، ولكن من الحكمة أن يقول الإنسان بأنّه في بحث دائم عن الجميل والمميّز، وهذا ما يجعله غير راض عما ينتجه ليس من باب القيمة الذوقية والجمالية في نصوصه وإنما في شغفه اللامتناهي لإيجاد بؤرة جمال مختلفة عما يدور حوله وصولا إلى ذائقة متعطشة هي الأخرى لتلقّف الجمال بشكل غير عادي. وأمّا عن تقييم أعمالي؛ فأرى أنّ الشّاعر الكبير الرّاحل "نزار قبّاني" قد أفرد مفهوما جميلا ونافذا في كتابه " الشّعرُ قنديلٌ أخضر" تحت مسمّى " القُبلةُ الشّعريّة" جوابا على سؤالك بخصوص التّقييم، فلا بد أن نذكر هنا فضل القارئ على النص _أكان شعرًا أم نثرًا_ وهو يرقى إلى لسان الرّواة بعد عقولهم؛ إذ ليس ثمّةَ ما يدعُو للقلق على حياةِ أي عمل أدبي ناضج ما دامَ المتلقي – مهما كان مستوى ذائقته– على قدرٍ منَ الوعي الشّعوري المتقلّبِ بين العبقريّةِ أحيانًا وبين السّذاجةِ أحيانًا أخرى! وقدْ لا يهمّ عزوفُه عنْ قراءةِ الجميل من الأدب ولكنْ منَ الأهم أنْ يتم ذلك التَّواصلُ الحي بين الشَّاعر والمتلّقي في بهو النص الواسع باسْم "الالتحامِ الشُّعوري" المنشودِ بينهما وصولاً إلى مقاسمةٍ عادلةٍ لمَا خفِيَ منْ لحظاتٍ سعيدةٍ كان مبعثَها ألمُ الحرفِ العربيّ اللاّهثِ وراءَ جنانِ الخلود.

 كقامة أدبية ضمن المشهد الثقافي؛ ما هي التحديات التي رفعتها والصعوبات التي واجهتها ضمن مسيرتك الثقافية؟

 لعلّ أعقد الصعوبات التي تواجه أي فنان أو كاتب أو مبدع هو نكران الذات لما بين جنبيها من شعلة تتَّقدُ ولا يستطيع تصريفها فيما يخدم لغته، أو فيما يعتقد بأنه يصرفها في خيريّة لغته وهي تنصرف إلى شريّة وسوء، ويأتي في الصف الثاني لتلك العوائق -في حال التصريف الإيجابي والخيّر- جحود الأقرباء ونكران الخلاّن لما يتلقفك وهُم يرونَه مجرّد حدث عابر في حياتهم، فضلا عن بؤس المشهد الثقافي المهتم إلا بالكرنفالية البعيدة عن الحسّ الحقيقيّ للإبداع.

 هموم الكتابة هي نوازع تخالج نفس المبدع؛ أين تكمن هذه النوازع ضمن كتاباتك؟ وما هي الرسالة التي تريد إيصالها؟

 لعلّ أهمَّ تلك النّوازع حسرةُ أهل اللغة العربية التي تراوح مكانها في بلدها، بينما يُحتفى بلغة الاستدمار على حسابها، وكم أجد انغلاقا وأنا أرى عدم وجود مصبّ أو رافد يحتفي باللغتين على قدم المساواة من باب تبادل المنفعة _من وإلى اللغتين_ بحثا عن تأصيل ملامح للثقافة الجزائرية التي امتُسخت وصارت ملامحَ ممسوخةً لا هُويّة لها، ومن كانوا يتحكّمون في دواليب الثقافة دأبوا على أن يصيروا حرّاسا على لغة دخيلة انتصارا لفكرة "غنيمة حرب" في مقابل التضييق على اللغة الأم بحجة أنها "رجعية" والفاهم الواعي يثقف جديدا دواليب اللعبة السياسة التي تنتاب الجزائر اليوم وهي بين سندان السّيادة ومطرقة التبعية. ولا تقف رسالة الكاتب الحر عند عتبة شهرته _ بقدر ما تكون أبلغ حينما يريد أن يوصل -لما وراء الحدود- أدبَ البلد وهمومَ الأهل ورسالةَ المثقف الواعي الباحث عن مجايلة ناجعة وتواصل نافع بين الثقافات ضمن ما يسمى بتعايش الحضارات.

 يلاحظ أن جل إصداراتك خارج الجزائر... ما السر في ذلك؟

 لأكون صريحا؛ طرقت في البدء باب دور النشر الجزائرية بأعمالي والشعرية منها بخاصة فأبت بحكم أن الشعر لا يُقرأ ولا يهتم به الناس ولا يدرّ ربحا ويبقى حبيس الرفوف، وفي احتضانهم للسرد دونه أيضا نظَرتْ تلك الدّور في الجانب المالي من طرف الكاتب دون النظر في قيمة العمل وجودته وإضافته، وكان التحصيل المادي لتلك الدور أولى من القيمة الأدبية للأعمال، بينما تلقّت دور النشر العربية خارج الجزائر أعمالي بصدر رحب وتبنّتها ونشرتها ووزّعتها ووصلت نسخي إليّ بالتّمام -وفوقَها "بُوسة" كما يقول المصريون- وهذا كان كافيا لتقدير ذاتي وأعمالي بالنشر خارج الجزائر إلى حين تحسّن سياسة الدور الناشرة هنا وتأمُّلها في قيمة العمل بغض النظر أكان شعرا أم نثرا. وهناك نقطة هامة جدا ينبغي الحديث عنها وهي؛ إيمان الدور الجزائرية بأن العمل الوافد من المشرق أولى بالتبني ولو كان العمل المحلي أجود وأرقى... للأسف.

أين أنت من المشهد الثقافي بولاية الجلفة؟ وهل نستطيع الحديث عن وجود مشهد ثقافي حقيقي بالولاية؟ أم أن طابع الفلكلورية قد طغى على هكذا مشهد؟

 قبل 20 سنة مضت كان هنالك خط بيّن وواضح لسياسة ثقافية ممنهجة في ولايتي رفعت التحدي لأن تكون الجلفة صرحا ثقافيا متميزا، والكل كان يتحسس هذا المعنى -داخل الولاية وكل من حضر من خارجها - منذ بداية السنوات الـ8 المؤسسة لدواعم الملتقى الوطني للمدينة والإبداع الذي استشرف أصحابها أيامها الأفق المغاربي والعربي وحتى الدولي نظرا لما تكتنز به الجلفة من ثروات مادية وبشرية تؤهلها لهذا التشريف، ولكنْ هنالك أطراف - سامحها الله- كانت سببا في إطفاء تلك الشموع إلى يومنا هذا.

.. الجلفة تحفل بمواهب وطاقات يعترف بها الكل، وكانت تُسمى بــــ" محجّة الشعراء والكتّاب" وليس أدل على هذا من مجموع الجوائز العربية والدولية التي يحصّلها أبناؤها هنا وهناك. أما عن طابع الفلكلورية التي طغى هذه السنوات فهي ظاهرة ليست بغريبة على الجلفة فقط وقد نال الابتذال والارتجال والسخرية من المشهد الثقافي الجزائري عامة بحكم ما يدور في العالم من أوبئة صحية وفكرية غير صحية، فضلا عما يحاك للجزائر من تخطيطات خبيثة يراد منها الإيقاع بها في وحل الدموية والانتكاس.

 كيف ترى واقع قطاع الثقافة؟ وهل هناك اهتمام فعلي بالمبدع في الجزائر؟

 أتوجس خيفة مما يجري الآن على الأقل وهو يعتبر عصارةَ ما سيق بالأمس، ولكني أتحسّس فتقا قريبا وانتعاشا حقيقيا للثقافة خاصة بعد أن تؤسس الدولة الجزائرية الجديدة نظامَها الصّارم وهي تُوكِل المهام لكفاءات جادة وطنية بعيدة عن خيوط العبث التي لفّتها العصابات طيلة هذه السنوات دعما لاستعمار بغيض يجعل جزائرنا مجرد ظل تابع أو مزرعة كولونيالية أو حقل نفط يؤَمّن التبعية والذل مدى الحياة. وإن كانت الملامح الأولى للدولة الجديدة لا تزال مشوّهة ولكن المساحيق القديمة ستبلى وسيظهر الوجه الحقيقي للثقافة الخيّرة الوطنية ذات الهوية السليمة القائمة على موروثات الدولة وقيمها بعيدا عما يراد لها من ترسيخ لأقدام عمالة دائمة إبقاءً لأغنى مستعمرة أوروبية للأبد.

 باعتبارك عضوا بهيئة اتحاد الكتاب الجزائريين؛ أين هاته الهيئة من الفعل الثقافي؟ وهل ترى أنها فقدت بريقها عكس السنوات السابقة؟ وإلى ما يعزو ذلك؟

 قد أكون كاذبا أو منافقا إن جمّلت صورة الاتحاد وهو يتخبّط كباقي مؤسسات الدولة في مكانه - نظرا لظروف ما يسود العالم برمته (جائحة كورونا) - ولكنني لا أريد أن أهضم حقَّ هذه الهيئة التي أبدت بكل شفافية في أن تظهر - رغم ما ورثت من خلافات وصدامات- بشكل يرضي الجميع، وقد أسوق مثالا عن صدق هذه الهيئة في تبنّي الجيّد والجميل لتشريف الدولة داخل الوطن وخارجه، وقد حالفني القدر في تمثيل بلادي في الملتقى العالمي للشعر بطنجة المغربية سنة 2015 ولم يحالفني قبلها أي حظ وأنا عضو نشيط منذ 1997. في الأخير أقول لا نستطيع أن نرمي باللوم أو نلقي بامتعاضنا وسخريتنا من هذا المنبر الإعلامي الرسمي وهو يتجرّع خيبة الانتصار للجمال، وما ورثه يزيده رطانة وسوء تقدير رغم ما حقّقه من نجاحات وإضافات نوعية تحسب له. 

 مع انتشار الرواية كصنف أدبي سردي حاول مزاحمة القصة والشعر من خلال نزوع الشعراء لكتابة الرواية، هل ترى أن الشعر لا يزال يحافظ على بريقه الذي يجعله متربعا على عرش الأصناف الأدبية، أما أن تداخل هذه الأصناف وتزاوجها كفيل بخلق مبدع أكثر نضجا لحمل الأرواح والعقول لآفاق أرحب؟

 لنفرق بين تداخل الأصناف بعْثًا لنص نفعي نوعي ورائد من فكرة طغيان نمط معين على آخر وحلول كافّة مقوّمات الاستبداد الذّوقي لهذا التهجين في مقابل رفض كيان فكري له موروثات ورجالاته؛ أما إذا قبلنا بفكرة (التزاحم) فهي أيضا ستدعونا إلى النظر في آلية هذا التزاحم إذا ما نظرنا في قيمة الوافد للقارئ وهو ينتصر للرواية دون الشعر أو القصة وبالعكس، ولعل هنالك دوائر نافذة تقوم بوأدِ الشعر بخاصة ونصْبِ مقامٍ الرواية على قبره، والحصيفُ ليثقفُ جيدا ما هو الغرضُ من هذا التزاحم المستبد والموجَّه من قبل تلك الدوائر الخارجية غير غافلين عن فكرة التضييق إياها وقد علم الغريب قبل القريب بأن (الشعر ديوان العرب)، وهذه لفتة كافية لصدع هذا الصف الذي يقيم كيانا مستقلا عن تبعيتنا للغرب مسْخًا لهويتنا العربية والإسلامية، وعليه فإنّه يحسُن القول بأن التزاحم المرجوَّ من نفعيّةِ تداخلِ تلك الأصناف قد يفيد أدبَنا إذا ما كنّا عينًا حارسةً لكيان "لغتنا الشعرية" الذي يقبل الوافد بمحبّة كبرى لــ" السّرد / الرواية" ونحن نمدّه بوردة غير متناسين مِسك موروثنا.

 كلمة أخيرة

 أشكر هذا المنبر الراقي على إتاحته لي فرصة الحديث إلى القارئ الكريم، آملا أن أكون عند حسن الظن، متأملا في الجيل الناشئ أن يحبّ مقومات لغته وكيانه متحديا بكل محبة أي ريح تريد العصف به خارج هالة هذا الكيان، داعيا كل الدوائر الثقافية - البحثية فيها والإبداعية- لإعطاء صورة مشرفة عن أدبنا المحلي وأدبنا المغاربي العربي والإسلامي ضمن التّجايل الإيجابي والتواصل الإنساني المنير. وقد أختم وأنا المحب لكم جميعا بهاته الأبيات الشعرية لإيليا أبي ماضي، يقول فيهما لوطنه لبنان... والمعنى قياس:

لُبنانُ لا تعذلْ بَنِيكَ إذا هُمُو ... ركِبُوا إلى العَلْياءِ كلَّ سَفِينِ

لَمْ يهْجُرُوكَ مَلالةً، لكِنَّهُم ... خُلِقُوا لِصَيْدِ اللُّؤْلُؤِ الـــمكْنُونِ

الأرْضُ للحَشَراتِ تَزْحَفُ فَوْقَها ... والجَوُّ للبَازِيّ، ولِلشَّاهِينِ.

حوار جريدة التحرير 23 مارس 2021 عدد 2217

هناك تعليق واحد: